للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويعبر شوقي عما أحسه عند رؤيته هذا الغزال وقد ثبت نظراته الرقيقة وصويها نحوه فحدثته نفسه بأن قلبه قد أصيب بسهم تلك النظرات ولا يستطيع إنسان أن يخرجه من كبده.

وقد اختار الشاعر عضوا يصعب على الطب معالجتها، ألا وهو الكبد، فكل عضو من جسم الإنسان يمكن معالجته ما عدا الكبد، فهو هنا يبين مدى الجرح الذي أصيب به، ولكن الشاعر كرجل كتم هذا الهوى وهذا الحب وأنكر وجوده تماما لاعتقاده أن أي الم يسببه المحبوب لا يمكن أن يؤثر في نفسه وقلبه على الرغم من لوعته ومعاناته حب هذه الأنثى التي تضارع الغزال جمالا وفتنة.

ويقول:

رزقت أسمح ما في الناس من خلق ... إذا رزقت التماس العذر في الشيم «١»

يا لائمي في هواه والهوى قدر ... لو شفك الوجد لم تعذل ولم تلم «٢»

فيوضح صفات المحب المثالي إذ يذكر أن الإنسان الكريم سمح الخلق لا يعتبر كريما ولا سمحا إلا إذا كان قادرا على التماس الأعذار للناس وهذا هو الخلق الطيب عند العرب، ولذا يطلب ممن يلومه ويؤنبه على أنه قد أحب هذا الغزال أن يلتمس له العذر فلو مر بتجربته لما كان عاذلا.

وفي قول شوقي:

لقد انلتك اذنا غير واعية ... ورب منصت والقلب في صمم «٣»

يخاطب لائمه ويقول له: يا أيها اللائم أنني انصت إليك حقا، ولكن هل أنت متأكد من أنني أسمع لما تقوله أو أعيه؟ انى قد انلتك أذني ولكن قلبي بعيد عنك لا يسمعك ولا يعي لومك ولا عتبك لما هو فيه من الوجد والحب منذ رؤية هذا الظبى.


(١) الشيم: جمع شيمة وهي الخلق.
(٢) شفة الوجد: هزلة وانحل جسمه.
(٣) انتصت: سكت سكوت مستمع.

<<  <   >  >>