للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [سورة فصّلت ٤١/ ٤٢] ، قد أحكمت آياته، وفصّلت كلماته، وبهرت بلاغته العقول، وظهرت فصاحته على كلّ مقول، صارخا بهم في كلّ حين، ومقرّعا لهم على مرّ السّنين، قائلا لهم: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ [سورة البقرة ٢/ ٢٣] .

ولم يزل يقرّعهم به أشدّ التّقريع، ويوبّخهم به غاية التّوبيخ، ويسفّه أحلامهم، ويحطّ أعلامهم، وهم في كلّ ذلك ناكصون عن معارضته، معترفون بالعجز عن مماثلته، حتّى أعرضوا عن المعارضة بالحروف، إلى المقارعة بالسّيوف، وقالوا على سبيل المباهتة «١» والرّضى بالدّنيّة: قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ [سورة فصّلت ٤١/ ٥] ، و: لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ [سورة فصّلت ٤١/ ٢٦] .

ولمّا سمع الوليد بن المغيرة قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [سورة النّحل ١٦/ ٩٠] ، قال:

والله، إنّ له لحلاوة، وإنّ عليه لطلاوة «٢» ، وإنّ أسفله لمغدق «٣» ، وإنّ أعلاه لمورق، وما يقول هذا بشر) «٤» .


(١) المباهتة: القذف بالباطل.
(٢) الطّلاوة: الرّونق والحسن الفائق.
(٣) المغدق: كثير الماء.
(٤) الشّفا، ج ١/ ٥٠٠- ٥٠٧. بتصرّف من المؤلّف.

<<  <   >  >>