للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وضربه ابن قمئة اللّيثي على وجهه، فدخلت حلقتان من حلق المغفر «١» في وجنته، وضربه آخر على رأسه حتّى هشم البيضة «٢» ، وكانوا أحرص شيء على قتله، فعصمه الله عزّ وجلّ منهم، وهو صلى الله عليه وسلم ثابت ينادي أصحابه، فلم يلو عليه أحد، إذ لم يعرفوه، وظنّوا أنّه قد قتل، وهو في الحديد؛ الدّرع والمغفر، كما قال الله تعالى: إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ فَأَثابَكُمْ- أي: جزاكم- غَمًّا بِغَمٍّ- أي: بعد غمّ-[سورة آل عمران ٣/ ١٥٣] .

[أوّل من عرف النّبيّ صلى الله عليه وسلم بعد إشاعة مقتله]

ثمّ إنّ كعب بن مالك الأنصاريّ رضي الله عنه عرف النّبيّ صلى الله عليه وسلم فصاح: يا معشر المسلمين، أبشروا، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فعطف عليه نفر من المسلمين، ونهضوا إلى الشّعب.

[أبيّ بن خلف يبحث عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم ليقتله]

فأدركهم أبيّ بن خلف فارسا، وهو يقول: أين محمّد؟

لا نجوت إن نجا، وشدّ عليه، فاعترضه رجال من المسلمين دون النّبيّ صلى الله عليه وسلم، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم بيده هكذا- أي: خلّوا طريقه- وتناول الحربة فهزّها حتّى تطايروا من حوله لشدّة بأسه، ثمّ استقبله فدقّه في عنقه بطعنة، تدأدأ «٣» لها عن فرسه مرارا، ونفذت من الدّرع، فرجع إلى أصحابه فمات، فهمّ المشركون أن يكرّوا على النّبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه في الشّعب، فحماهم الله منهم.

[تغشية النّعاس المؤمنين]

ثمّ إنّهم لمّا ترادفت عليهم الغموم ممّا أصابهم، ومن خوف كرّة العدوّ عليهم، ألقى الله عليهم النّعاس، أمنة منه لهم، إلّا المنافقين


(١) المغفر: زرد ينسج من الدّروع على قدر الرّأس، يلبس تحت القلنسوة.
(٢) البيضة: الخوذة الّتي توضع على الرّأس.
(٣) تدأدأ: تدحرج وسقط.

<<  <   >  >>