للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الله صلى الله عليه وسلم: «إنّا لم نجىء لقتال أحد، ولكنّا جئنا معتمرين، وإنّ قريشا قد أضرّت بهم الحرب، فإن شاؤوا ماددتهم- أي: صالحتهم مدّة- على أن يخلّوا بيني وبين النّاس، فإن أظهر، فإن شاؤوا أن يدخلوا فيما دخل فيه النّاس فعلوا، وإلّا فقد جمّوا- أي:

استراحوا- من الحرب مدّة، وإن أبوا، فو الله لأقاتلنّهم على هذا الأمر حتّى تنفرد سالفتي- أي: صفحة عنقي- ولينفذنّ الله أمره» ، قال بديل: سأبلّغهم ما تقول، قال: فانطلق حتّى أتى قريشا، فحدّثهم بما قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم.

فقام عروة بن مسعود وقال: أي قوم، إنّ هذا قد عرض عليكم خطّة رشد، فاقبلوها، ودعوني آتيه، قالوا: ائته، فأتاه، فجعل يكلّم النّبيّ صلى الله عليه وسلم، ويرمق أصحابه، فقال له النّبيّ صلى الله عليه وسلم نحوا ممّا قاله لبديل، فرجع عروة إلى قريش، فقال: أي قوم، والله لقد وفدت على الملوك، ووفدت على كسرى وقيصر والنّجاشيّ، فما رأيت ملكا يعظّمه أصحابه ما يعظّم أصحاب محمّد محمّدا، والله ما تنخّم نخامة إلّا وقعت في كفّ رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم أمرا ابتدروا أمره «١» ، وإذا توضّأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلّم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدّون النّظر إليه «٢» تعظيما له، وإنّه قد عرض عليكم خطّة رشد فاقبلوها.

فأرسلوا إليه سهيل بن عمرو، فلمّا أقبل قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «قد سهل الأمر» ، فجاء سهيل فقال: هات اكتب بيننا وبينكم كتابا.

[كتابة عليّ رضي الله عنه عقد الصّلح وبنوده]

فدعا النّبيّ صلى الله عليه وسلم الكاتب، وهو عليّ بن أبي طالب رضي الله


(١) ابتدروا أمره: أسرعوا في تلبيته وتنفيذه.
(٢) الإحداد: شدّة النّظر. أي: لا يتأمّلونه ولا يديمون النّظر إليه.

<<  <   >  >>