للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يعاتب [الله] أحدا تخلّف عنها، ولم أكن قطّ أقوى ولا أيسر منّي حين تخلّفت عنه في تلك الغزوة، فتجهّز رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم أقض من جهازي شيئا، فقلت: أتجهّز بعده بيوم أو بيومين، فلم يزل يتباطأ بي الأمر حتّى تباعد الغزو، فكنت إذا خرجت في النّاس أحزنني أنّي لا أجد إلّا رجلا مغموصا عليه بالنّفاق- أي: معيّرا به- أو رجلا ممّن عذر الله من الضّعفاء، فلمّا بلغني أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قفل راجعا طفقت أتذكّر الكذب وأقول: بماذا أخرج من سخطه غدا؟ ثمّ زاح عنّي الكذب، وعرفت أنّي لا أخرج عنه بشيء فيه كذب، فأجمعت صدقه.

فلمّا قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم (المدينة) جاءه المخلّفون، فطفقوا يعتذرون إليه ويحلفون له، فقبل منهم علانيتهم، واستغفر لهم، ووكل سرائرهم إلى الله تعالى، فجئته، فسلّمت عليه فتبسّم تبسّم المغضب، ثمّ قال: «ما خلّفك؟» ، فقلت: والله لو جلست عند غيرك من أهل الدّنيا لرأيت أن سأخرج من سخطه بعذر، ولقد أعطيت جدلا «١» ، ولكنّي والله لئن حدّثتك اليوم حديث كذب ترضى به عنّي، ليوشكنّ أن يسخطك الله عليّ، ولئن حدّثتك حديث صدق تجد عليّ فيه، إنّي لأرجو فيه عفو الله، لا والله ما كان لي من عذر، فقال صلى الله عليه وسلم: «أمّا هذا فقد صدق، فقم حتّى يقضي الله فيك» ، فقمت، فلامني رجال من بني سلمة- أي:

بكسر اللّام- أن لا أكون اعتذرت كما اعتذر إليه المخلّفون، فقلت: هل لقي معي هذا أحد؟، قالوا: نعم؛ مرارة/ بن الرّبيع العمريّ، وهلال بن أميّة الواقفيّ، فذكروا لي رجلين صالحين،


(١) مقابلة الحجّة بالحجّة.

<<  <   >  >>