للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عليّا، وأمره أن يتولّى نبذ العهود، بأن يقرأ على النّاس صدر سورة براءة، لئلّا يبقى للمشركين عذر، إذ كان من عادتهم ألّا يتولّى نبذ العقود إلّا من تولّى عقدها، وهو صاحبها، أو رجل من أهل بيته «١» .

قال ابن إسحاق: فلمّا أدرك عليّ أبا بكر، قال له أبو بكر: أأمير أم مأمور؟ فقال: بل مأمور؟، ثمّ مضيا، فكان عليّ ينادي ب (منى) : أنّ من كان له أجل فله أربعة أشهر، ثمّ لا عهد له- أي:

لقوله تعالى-: فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ [سورة التّوبة ٩/ ٢] «٢» .


(١) قلت: قال أبو شهبة- رحمه الله-: وهنا شبهة نرى لزاما أن نعرض لها، ونبيّن الحقّ فيها، وهي: لم عدل النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن تبليغ أبي بكر صدر سورة براءة ووكل ذلك إلى عليّ رضي الله عنهما؟ والجواب: أنّ صدر سورة براءة تضمن نقض العهود المطلقة غير المقيّدة بوقت، أو الّتي مدّتها فوق أربعة أشهر فيما زاد عن أربعة أشهر، وكان العرب تعارفوا فيما بينهم في عقد العقود ونقضها ألا يتولّى ذلك إلّا سيّد القبيلة، أو رجل من رهطه، فأراد الله عزّ وجلّ أن يكون المبلّغ عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم رجلا من أهله، حتّى يقطع ألسنة العرب بالاحتجاج على أمر هو من تقاليدهم، ولا سيّما أنّه ليس فيه منافاة للإسلام، فلذلك تدارك النّبيّ صلى الله عليه وسلم الأمر. أخرج التّرمذيّ وأحمد من حديث أنس رضي الله عنه قال: بعث النّبيّ صلى الله عليه وسلم براءة مع أبي بكر، ثمّ دعا عليّا فأعطاه إيّاها، وقال: «لا ينبغي لأحد أن يبلّغ هذا إلّا رجل من أهل بيتي» - كما ذكر أعلاه- أنّ جبريل عليه السّلام هو الّذي قال للنّبيّ صلى الله عليه وسلم: (إنّه لن يؤدّيها عنك إلّا أنت أو رجل منك) . فهذا هو السّبب. لا ما زعمته الرّافضة من أنّ ذلك للإشارة إلى أنّ عليّا أحقّ بالخلافة من أبي بكر رضي الله عنهما، ولا أدري كيف غفلوا أو تغافلوا عن قول الصّدّيق رضي الله عنه له: أأمير أم مأمور؟ فقال: بل مأمور. وكيف يكون المأمور أحقّ بالخلافة من الأمير؟!! (انظر السّيرة النّبويّة، ج ٢/ ٥٣٩- ٥٤٠) .
(٢) ابن هشام، ج ٤/ ٥٤٣- ٥٤٦.

<<  <   >  >>