للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فصل في زهده صلّى الله عليه وسلّم

وأمّا زهده صلى الله عليه وسلم في الدّنيا، وإيثاره للعقبى: فحسبك ما اشتهر عنه من تقلّله منها، وإعراضه عن زهرتها، امتثالا لقول ربّه سبحانه وتعالى: وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى [سورة طه ٢٠/ ١٣١] .

وكان صلى الله عليه وسلم- كما اتّفق عليه نقلة الأخبار عنه- مقتصرا في نفقته وملبسه ومسكنه على قدر الضّرورة منها، ولقد عرضت عليه أن تجعل له بطحاء (مكّة) ذهبا، أو أن تكون الجبال ذهبا لا حساب عليه فيها، فاختار أن يكون نبيّا، عبدا، يجوع يوما، ويشبع يوما، ثمّ جيئت إليه الأموال من الغنائم والخمس والزّكوات والجزية والهديّة فصرفها في مصارفها، وقوّى المسلمين بها، وسدّ به فاقتهم، وأغنى به عيلتهم «١» ، ولم يستأثر منها بشيء دونهم.

وفي «الصّحيحين» : ما شبع نبيّ الله صلى الله عليه وسلم وأهله من خبز برّ ثلاثة أيّام تباعا حتّى فارق الدّنيا. «٢» .

وإنّا كنّا لننظر إلى الهلال، ثمّ الهلال، ثمّ الهلال، ثلاثة أهلّة في شهرين، وما أوقد في أبيات النّبيّ صلى الله عليه وسلم نار، [قال: يا خالة،


(١) عيلتهم: فقرهم.
(٢) أخرجه البخاريّ، برقم (٥١٠٧) . ومسلم برقم (٢٩٧٠/ ٢١) . عن عائشة رضي الله عنها.

<<  <   >  >>