للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكان أهل (مكّة) يسترضعون أولادهم فيهم لفصاحتهم، ولصحّة هواء البادية، فأقام صلى الله عليه وسلم فيهم نحو خمس سنين، وظهر لهم من يمنه وبركته في تلك المدّة أنواع من المعجزات وخوارق العادات.

روى ابن إسحاق عن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنهما قال: قالت حليمة: خرجت في نسوة من بني سعد نلتمس الرّضعاء، على أتان لي قمراء «١» ، في سنة شهباء «٢» ، ومعي زوجي الحارث بن عبد العزّى من بني سعد بن بكر، ومعنا شارف لنا- أي: ناقة مسنّة- ما تبضّ «٣» بقطرة، وما ننام ليلنا أجمع من بكاء صبيّنا، ما في ثدييّ ما يغنيه، ولا في شارفنا ما يغذّيه، فخرجت على أتاني تلك، ولقد أذمّت «٤» بالرّكب- أي: ولقد أزرت بهم «٥» - ضعفا وعجفا «٦» ، حتّى شقّ ذلك عليهم، حتّى قدمنا (مكّة) ، فو الله ما منّا امرأة إلّا عرض عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتأباه إذا قيل لها: إنّه يتيم، [وذلك أنّا إنّما كنّا نرجو المعروف من أبي الصّبيّ، فكنّا نقول: يتيم! وما عسى أن تصنع أمّه وجدّه؟، فكنّا نكرهه لذلك] ، فما بقيت امرأة ممّن قدمت معي إلّا أخذت رضيعا غيري، [فلمّا أجمعنا الانطلاق قلت لصاحبي: والله إنّي لأكره أن أرجع من بين صواحبي ولم آخذ رضيعا، والله لأذهبنّ إلى ذلك اليتيم


(١) القمراء: شدّة البياض أو بياض إلى الخضرة.
(٢) سنة شهباء: ذات جدب وقحط.
(٣) تبضّ: تدرّ.
(٤) أذمّت الرّكاب: أعيت وتخلّفت عن جماعة الإبل، ولم تلحق بها، يريد أنّها تأخّرت بالرّكب، أي: تأخّر الركب بسببها.
(٥) أزرت: قصّرت وتهاونت.
(٦) العجف: الهزال.

<<  <   >  >>