للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المسلمين من النصر. وقام هو وأصحابه قافلين إلى المدينة ومعه الأسرى وما أصاب من المشركين من غنيمة جعل عليها عبد الله بن كعب. وسار القوم، حتى إذا تخطّوا مضيق الصّفراء نزل محمد على كثيب فقسم هناك النّفل الذي أفاء الله على المسلمين، بين المسلمين على سواء. يقول بعض المؤرخين إنه قسمة بينهم بعد أن أخذ منه الخمس، لقوله تعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) «١» .

ويذهب الأكثرون من كتّاب السيرة، والمتقدمون منهم خاصة، أن هذه الآية نزلت بعد بدر وبعد قسم فيئها، وأن محمدا جعل القسمة بين المسلمين على سواء، وأنه جعل للفرس مثل ما للفارس، وجعل للورثة حصة من استشهد ببدر، وجعل حصّة لمن تخلف بالمدينة فلم يشهد بدرا ما كان قائما فيها بعمل المسلمين، ومن حرّضه حين الخروج إلى بدر وتخلّف لعذر قبله الرسول. وكذلك قسم الفيء بالقسط. فلم يشرك المقاتل وحده في الحرب والنصر، بل اشترك في الحرب والنصر كل من كان لعمله في الفوز حظ أيّا كان هذا العمل، وفي ميدان القتال كان أو بعيدا عنه.

وبينما المسلمون في طريقهم إلى مكة قتل من الأسرى رجلان: أحدهما النّضر بن الحارث، والآخر عقبة بن أبي معيط. ولم يكن محمد ولا كان أصحابه إلى هذه اللحظة قد وضعوا للأسرى نظاما يكون على مقتضاه قتلهم أو فداؤهم أو استرقاقهم. لكن النضر وعقبة كانا من المسلمين أيام مقامهم بمكة شرّا مستطيرا، وكانا لا ينفكان يوصلان لهم من الأذى كل ما يستطيعان. قتل النّضر حين عرض الأسرى على النبي عليه السلام عند بلوغهم الأثيل، فقد نظر إلى النضر نظرة ارتعد لها الأسير وقال لرجل إلى جنبه: محمد والله قاتلي! لقد نظر إليّ بعينين فيهما الموت. قال الذي إلى جنبه: ما هذا والله منك إلا رعب. وقال النضر لمصعب بن عمير؛ وكان أقرب من هناك به رحما: كلّم صاحبك أن يجعلني كرجل من أصحابه، فهو والله قاتلي إن لم تفعل. فكان جواب مصعب: إنك كنت تقول في كتاب الله وفي نبيه كذا وكذا، وكنت تعذّب أصحابه. قال النضر: لو أسرتك قريش ما قتلتك أبدا وأنا حيّ. قال مصعب: والله إني لا أراك صادقا، ثم إني لست مثلك، فقد قطع الإسلام العهود. وكان النضر أسير المقداد، وكان يطمح أن ينال افتداء أهله إياه مالا كثيرا. فلما رأى الحديث حول قتله صاح: النضر أسيري. قال النبي عليه السلام: اضرب عنقه، واللهمّ أغن المقداد من فضلك. فقتله عليّ بن أبي طالب ضربا بالسيف.

ولمّا كانوا في طريقهم بعرق الظبية أمر النبيّ بقتل عقبة بن أبي معيط فصاح عقبة: فمن للصبية يا محمد؟! قال: النار. وقتله عليّ بن أبي طالب أو قتله عاصم بن ثابت، على اختلاف في الرواية.

وقبل أن يصل النبي والمسلمون المدينة بيوم وصلها رسولاه زيد بن حارثة وعبد الله بن رواح، ودخل كل واحد من ناحية منها؛ فجعل عبد الله ينادي على راحلته يبشر الأنصار بنصر رسول الله وأصحابه، ويذكر لهم من قتل من المشركين. وجعل زيد بن حارثة يصنع صنيعة وهو ممتط القصواء ناقة النبي. وسرّ المسلمون واجتمعوا وخرج من كان منهم في داره وانطلقوا يهللون لهذا النصر العظيم. أما الذين بقوا على الشرك، و؟؟؟

اليهود، فقد كبتوا لهذا النبأ، وحاولوا أن يقنعوا أنفسهم وأن يقنعوا الذين أقاموا في المدينة من المسلمين بعدم صحته، فصاحوا؛ إن محمدا قتل وأصحابه هزموا، وهذه ناقته نعرفها جميعا لو أنه انتصر لبقيت عنده، وإنما


(١) سورة الأنفال آية ٤١.

<<  <   >  >>