للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يحقق معاني الإخاء والمساواة بين المؤمنين جميعا في أوسع صورها وأكثرها سموّا وصفاء.

[قواعد الخلق في الإسلام]

هذه قواعد الإسلام وفرائضه كما نزل بها الوحي على محمد عليه السلام. وهي أركان الإيمان كما رأيت في الآيات التي أثبتناها هنا، وأركان الحياة الروحية الإسلامية. ومن اليسير عليك أن تقدر بعد ذلك ما يمكن أن تقوم على هذا الأساس من قواعد الخلق. هي قواعد سامية غاية السموّ، بلغت من ذلك ما لا نظير له في أيّة حضارة من الحضارات ولا في أي عصر من العصور. وقد نص القرآن فيها على ما يصل بالإنسان إلى غاية كماله إذا هو هذّب نفسه على موجبها وأدّبها بأدبها. وهي لم ترد في سورة واحدة من سور القرآن، بل وردت متفرّقة فيه، فلا تكاد تتلو سورة منه حتى تسمو بنفسك إلى ذروة من الرقيّ لم تبلغها حضارة من قبل ولا يمكن أن تبلغها حضارة من بعد. وحسبك قيام أدب النفس على أساس روحي مصدره الإيمان بالله ورياضة العقل والقلب على هذا الأساس، دون النظر إلى أية منفعة ماديّة يجنيها الإنسان من وراء التأدّب بهذا الأدب، لترى رفعة هذه الذروة التي بلغتها.

[الرجل الكامل في القرآن]

لطالما صوّر الكتّاب في مختلف العصور والأمم صورة الرجل الكامل. صوّره الشعراء والكتّاب والفلاسفة والمسرحيون. صوّروا هذه الصورة في العصور القديمة وما يزالون يصورونها حتى اليوم. مع ذلك لن تجد صورة لهذا الرجل الكامل كهذه الصورة الفذة التي وردت في سياق سورة الإسراء؛ وهي ليست إلا بعض ما أوحى الله إلى رسوله من الحكمة، لا يقصد بها إلى تصوير الرجل الكامل، وإنما يقصد بها أن يذكر الناس بعض ما يجب عليهم. يقول تعالى:

(وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيماً. وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً.

رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً. وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً. إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً. وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُوراً. وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً. إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً. وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً. وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلًا.

وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً. وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا.

وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا. وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا. وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولًا. كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً) «١» .

أيّ سمو بالنفس كهذا السمو، وأيّ كمال لها كهذا الكمال، وأيّ طهر للذيل كهذا الطهر، إن كل آية


(١) سورة الإسراء الآيات من ٢٣ إلى ٣٨.

<<  <   >  >>