للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وترك عبد الله من بعده خمسة من الإبل وقطيعا من الغنم وجارية هي أم أيمن حاضنة النبيّ من بعد. ربما لا تكون هذه الثروة مظهر ثراء وسعة؛ لكنها كذلك لم تكن تدلّ على فقر ومتربة. ثم إن عبد الله كان في مقتبل عمره، فكان قديرا على الكسب والعمل والبلوغ إلى السعة في المال؛ وكان أبوه ما يزال حيّا فلم يؤل إليه شيء من ميراثه.

[مولد محمد (سنة ٥٧٠ م)]

وتقدّمت بامنة أشهر الحمل حتى وضعت كما تضع كل أنثى. فلما تمّ لها الوضع بعثت إلى عبد المطلب عند الكعبة تخبره أنه ولد له غلام. وفاض بالشيخ السرور حين بلغه الخبر، وذكر ابنه عبد الله وقلبه مفعم بالغبطة لخلفه، وأسرع إلى زوج ابنه وأخذ طفلها بين يديه، وسار حتى دخل الكعبة وسمّاه محمدا. وكان هذا الاسم غير متداول بين العرب، لكنه كان معروفا. وردّ الجدّ الصبيّ إلى أمه وجعل وإياها ينتظر المراضع من بني سعد لتدفع الأم بوليدها إلى إحداهن، على عادة أشراف العرب من أهل مكة.

وقد اختلف المؤرخون في العام الذي ولد محمد فيه؛ فأكثرهم على أنه عام الفيل (٥٧٠ ميلادية) .

ويقول ابن عبّاس: إنه ولد يوم الفيل. ويقول آخرون انه ولد قبل الفيل بخمس عشرة سنة: ويذهب غير هؤلاء إلى أنه ولد بعد الفيل بأيام أو بأشهر أو بسنين، يقدّرها قوم بثلاثين سنة؛ ويقدرها قوم بسبعين.

واختلف المؤرخون كذلك في الشهر الذي ولد فيه وإن كانت كثرتهم على أنه ولد في شهر ربيع الأول.

وقيل: ولد في المحرّم. وقيل ولد في صفر وبعضهم يرجح رجبا، على حين يرجح آخرون شهر رمضان.

كذلك اختلف في تاريخ اليوم من الشهر الذي- ولد فيه؛ فقيل: ولد لليلتين خلتا من شهر ربيع الأوّل، وقيل لثماني ليال، وقيل لتسع. والجمهور على أنه ولد في الثاني عشر من شهر ربيع الأوّل، وهو قول إبن إسحاق وغيره.

وكذلك اختلف في الوقت الذي ولد فيه أنهارا كان أم ليلا. كما اختلف في مكان ولادته بمكة. ويرجّح كوسّان دبرسفال في كتابه عن العرب أن محمّدا ولد في أغسطس سنة ٥٧٠، أي عام الفيل، وأنه ولد بمكة بدار جدّه عبد المطلب.

وفي سابع يوم لمولده أمر عبد المطلب بجزور فنحرت، ودعا رجالا من قريش فحضروا وطعموا. فلما علموا منه أنه أسمى الطفل محمدا سألوه لم رغب عن أسماء آبائه؟ فقال أردت أن يكون محمودا في السماء لله وفي الأرض لخلقه.

[المراضع]

انتظرت آمنة مجيء المراضع من بني سعد لتدفع به إلى إحداهن كعادة أشراف العرب من أهل مكة. ولا تزال هذه العادة متبعة عند أشراف مكة، إذ يبعثون أبناءهم إلى البادية في اليوم الثامن من مولدهم ثم لا يعودون إلى الحضر حتى يبلغوا الثامنة أو العاشرة. ومن قبائل البادية من لها في المراضع شهرة، ومن بينها قبيلة بني سعد. وفي انتظار المراضع دفعت آمنة بالطفل إلى ثويبة جارية عمه أبي لهب، فأرضعته زمنا، كما أرضعته من بعد عمه حمزة؛ فكانا أخوين في الرضاع. ومع أن ثويبة لم ترضعه إلا أيّاما فقد ظل يحفظ لها خير الودّ ويصلها ما عاشت؛ ولما ماتت في السنة السابعة من هجرته إلى المدينة سألن عن ابنها الذي كان أخاه في الرضاع ليصله مكانها، فعلم أنه مات قبلها.

<<  <   >  >>