للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

فكيف استنبط من عبارة مؤلفة من أربع كلمات أربعَ حكمٍ وتعليلات، بكلام مقتضب واضح لا إخلال فيه ولا غموض، ولا شك أن ذلك نابع من اليقين بأن كتاب الله هو الكلام المعجز الذي ليس فيه حشوٌ ولا تطويل.

ومنه قوله: (﴿الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ﴾ [الإسراء: ١] الإسراء: سير الليل خاصَّة، فقوله: ﴿لَيْلًا﴾ لقَطْع مجاز السير خُفيةً، كما أنَّ قوله: ﴿يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ﴾ بعدَ قوله: ﴿وَلَا طَائِرٍ﴾ [الأنعام: ٣٨] لقطع مجاز السَّير السَّريع).

ومن الاستنباطات من الألفاظ ما جاء في تفسير قوله تعالى: ﴿فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ﴾ [النازعات: ١٤] قال: (﴿فَإِذَا هُمْ﴾: فاجَؤوا الحُصولَ ﴿بِالسَّاهِرَةِ﴾؛ أي: وَجهِ الأرْضِ، فالعَربُ تسمي وَجهَ الأرضِ مِن الفَلاة: سَاهرةً؛ أي: ذاتَ سَهرٍ؛ لأنَّه يُسهَر فيها خَوفاً؛ وفيهِ إشارةٌ إلى حصولهم فيها أحياءً).

وفي تفسير ﴿إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا﴾ [آل عمران: ١٠٠] قال: (والتعبيرُ عن شاسٍ ومَن أعانه فيهِ بالفريقِ يناسبُ قصدَهم إيقاعَ التفرقة بين جمعِ المؤمنين).

وقال في قوله: ﴿فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا﴾ [آل عمران: ١٠٣]: (أصبح) أصلُه: دخلَ في الصباحِ، ثمَّ أُطلِقَ على الصيرورة أيَّ وقتٍ كان، ففيه باعتبارِ أصلهِ دلالةٌ على خروجهم مِن ظلماتِ الضلالة إلى نور الهداية).

ومنه: ﴿فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ﴾ [الأعراف: ١٣٨] قال: (وإنما قال: ﴿لَهُمْ﴾ تنبيهاً على غاية حماقتهم، حيث عبدوا ما يملكونه).

وكذا: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ

<<  <  ج:
ص:  >  >>