للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

المنفصل للتخصيص والتَّوحيدِ، وقطْعاً لاحتمال تعلُّق العِبادة لغيرهِ من أوَّل الأمر؛ لأَنَّه كفرٌ لا بدَّ من الاحتياط عن ذَهاب الوهمِ إليهِ.

ولمْ يُسلكْ في (الحمد لله) ذلكَ المَسلكَ؛ إذ لا بأسَ في تعلُّق الحمد بغيرهِ تعالى.

وآثَرَ الضميرَ المستكنَّ الشامل للقارئ ولِسائر الموحِّدينَ للتَّعميم والتَّشريكِ، ودَرْجاً لعبادته في تضاعيفِ عبادتِهم وخلْطاً لحاجته بحاجتِهم، لعلَّها تُقبَلُ ببركتها ويُجاب إليْها، ولهذا شُرعت الجماعةُ وكان في ذلك إيفاءٌ لكلِّ مقام حقَّه؛ فكأنَّه يقول: أنتَ منفردٌ في المعبوديَّة ونحنُ شركاء في العُبوديَّة.

ولكَ أنْ تقول: إنَّ في (أعبدُ) معنى التَّوحيدِ المُشعرِ عن التَّكبُّر، وفي (نعبدُ) معنى التَّواضعِ المناسب لمقام العبادةِ والتَّذلل، فكأنَّه يقول: إني واحدٌ من عبيدِكَ.

وقدَّم العبادةَ على الاستعانة تعليماً للعِباد، وجَرياً على ما انطبعَ في الغرائزِ من تقديم الوسيلةِ على الحاجة؛ لأَنَّه أنجحُ لحصول المَطلبِ، وأسرعُ لوقوع الإجابَةِ.

وأَطلقَ الاستعانة ليَعمَّ كلَّ مستعانٍ عليه، ثمَّ خصَّصَها بقوله: (اهدنا) ليتكرَّر إجمالاً وتفْصيلاً، فيدلَّ على أنَّ أهمَّ المهمات الاستعانةُ به وبتوفيقه في طلبِ الهداية والسَّعادة الأُخرَوَّيةِ الباقية.

وكرَّر الضَّمير المنفصلَ للتنصيص على التخصيص في كلٍّ من العبادة والاستعانةِ، ولولا ذلك لكان التَّخصيص في مجموعهما، ولا يلزمُ من ذلكَ التَّخصيصُ في كلٍّ منهما.

﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾: الدِّينَ القويمَ، وما يدلُّ عليه القرآنُ العظيم.