للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وأمَّا الحثُّ على الإنْفاق والمدحُ للمُنفِق وكونُه من المتَّقينَ، فإنَّما يَصلُح قرينةً لكون المنفَقِ مُباحاً، ولا دلالةَ فيه على عدم كونِ الرِّزق الذي ذلك المنفقُ بعضٌ منه مشتمِلاً على الحرام.

وزيادةُ حرْف التبْعيض للحثِّ على الاقتصاد المحمود؛ لأنَّه الجودُ الذي هو وسطٌ بينَ الإسراف والإقتارِ، قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ﴾ [الإسراء: ٢٩]، ففيه إخبارٌ صريحٌ في حقِّ الغابرينَ (١) ونهيٌ ضِمناً في حقِّ الحاضرِينَ.

وأمَّا التبذيرُ فلا حاجةَ للاحتراز عنهُ إلى أداة التَّبْعيض؛ لأنَّه بمعْزِلٍ عن مَظنَّة المدحِ به، كيفَ وهو حرامٌ منهيٌّ عنه بأبلغِ وجهٍ في قوله تعالى: ﴿إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ﴾ [الإسراء: ٢٧]؟

بخلافِ الإسرافِ، فإنَّه قد شاعَ أنَّه لا إسراف في الخير، فكانَ مظِنَّة أنْ يُمدحَ به.

ولمَّا كان المدحُ باعتبار تخصيصِهم الإنفاقَ بالبعض الحلالِ من رِزْقِهم لا بالإنفاق مُطلقاً، كان ذِكرُ المفعولِ وتعيينُه أهم (٢) من الإخبار عن نفْس الفعلِ، فقدَّمه عليه إظهاراً للاهتمام به والاعتناءِ بشِأْنه، ومحافظةً على الفاصلة.

والإنْفاقُ: صرْفُ المالِ إلى ذي الحاجة، لا إنفاقهُ وإذهابه مطلقاً، فالإحراقُ مثلاً ليس بإنفاق.

* * *


(١) في "ك" و"م": (الغائبين).
(٢) في "ك": (أتم).