للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقيل: الدُّنيا دُنيا لأنَّها أَدنى من الآخرة رُتبةً.

﴿هُمْ يُوقِنُونَ﴾ تقديمُ الظَّرف للقَصر عليه؛ كما في قوله تعالى: ﴿لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ﴾ [آل عمران: ١٥٨]. وتقديمُ المسندِ إليهِ وهو ضميرٌ مع بناء الفعلِ عليه أيضاً للقَصر عليه؛ كما في قولك: أنا سعيتُ في حاجتِكَ، والقَصران إضافيانِ كما هو الغالِبُ في استعمالاتِ البُلغاء.

والمعنى المستفادُ من القَصر الأوَّل: أنَّ (١) إيقانَهم مقصورٌ على حقيقة الآخرة لا يتعدَّاها إلى ما هو على خلافِ حقيقتِها، وتعريضٌ (٢) بسائر أهلِ الكتاب وبما هُم عليه من أمر الآخرةِ.

والمعنى المستفادُ من القَصر الثاني: أنَّ الإيقانَ المذكورَ لا يتعدَّاهُم إلى غيرهِم، وهذا تصريحٌ بأنَّهم على جهالةٍ في أمرِ الآخرةِ، والإيقانُ إيقانُ العِلم بإزالة الشكِّ والشُّبهة عنه، فاليقينُ: هو العِلم بالشَّيء بعدَ أنْ كان صاحبُه شاكًّا فيه، ولذلك لا يُطلق على عِلمه تعالى.

قال الإمام: ويقالُ ذلكَ في العِلم الحادث بالأمورِ، سواءٌ كان ذلكَ العِلم ضرورّياً أو استدلاليًّا، فيقولُ القائل: تيقَّنتُ ما أردتُه بهذا الكلامِ، وإنْ كان قد عَلِم مرادَه بالاضطرار، ويقول: تيقَّنتُ أنَّ الإلهَ واحدٌ، وإنْ كان قد عَلمه اكتساباً (٣).

* * *


(١) كلمة: (أن) من "د" وليست في باقي النسخ.
(٢) في "م": (أو تعريض).
(٣) انظر: "تفسير الرازي" (٢/ ٢٧٨).