للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يُعدَّ المتَّصفُ بها من جنس الإنسِ، ناسَب تصديرَ الكلامِ به (١) وإنْ كان حقُّه التأخيرَ، وهذا النَّوعُ من الاعتبار اللطيف مدارهُ على دلالةٍ رائعةٍ خطابيةٍ لا يعتبرُها البليغُ إلا بمعونة المقامِ واقتضاءِ الحالِ، فلا يُطالَبُ بالاطِّراد.

وهذا الصنفُ أبغضُ الكفرةِ إلى الله تعالى، وأمقتُهم عنده؛ لاستعدادِهم الاهتداءَ وإمكانِ قَبولِهم لذلكَ لعدم انطفاءِ نور الفِطرةِ فيهم، مع بقائهم على الكفر، وخَلْطِهم بالكفر تمويهًا وتلبيسًا واستهزاءً وخداعًا.

وقصَّتُهم عن آخرها معطوفة على قصَّة المصرِّينَ، والاقتصارُ في وصفه الكفارَ الصِّرفَ المطبوعَ على قلوبهم على آيتين، والإطنابُ في وصْف المنافقين في ثلاثةَ عشرَ آيةً؛ للإضراب عن أولئكَ صفْحًا؛ إذ لا ينجعُ فيهم الكلامُ، ولا يُجدي لهم الخطابُ، وأمَّا المنافقونَ فقدْ يَنجعُ فيهم التَّوبيخُ والتَّعييرُ، وعسى أنْ يرتدِعوا بالتَّشنيع عليهم وتفظيعِ شأنِهم وسيرتِهم، وتهجينِ عادتِهم، وخُبْثِ نيَّتهم وسريرتِهم، وينتبهوا (٢) بتَقبيْح صورةِ حالِهم، وتفضيحِهم بالتَّمثيل بهم وبطريقتِهم، فتلينُ قلوبُهم، وتنقادُ نفوسُهم، وتتزكَّى (٣) بواطنُهم، وتضمحلُّ رذائلُهم، فيرجعون عمَّا هم عليه، وَيصيرونَ من المستثنَينَ في قوله تعالى: ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [النساء: ١٤٦] (٤).


(١) "به" ليست في "ك" و "ف".
(٢) في هامش "م": (وتنبيههم).
(٣) في "خ"و "ك": (بتزكي).
(٤) هذا التعليل للاقتصار والإطناب في وصف كل من الكافرين والمنافقين فيه نظر، فالمنافق كما يظهر من استقراء السيرة والواقع ليس أقل بعدًا عن الإيمان من الكافر، وإنما كان الإطناب - والله أعلم - في وصف المنافقين للتعريف بهم وبخطرهم العظيم على المجتمع المسلم؛ لمحاولتهم إخفاء=