للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عندَ لقاءِ المؤمنينَ، وفيهِ زيادةُ بيان أنَّهم ضَمُّوا إلى الخداع الاستهزاءَ، ولا يتفوَّهون بالكلمة إلَّا عند الحاجةِ.

﴿قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا﴾ تقول: خلَوْتُ به وإليه: إذا انفَرَدْتُ معه.

﴿إِلَى شَيَاطِينِهِمْ﴾ الشيطان: فيْعالٌ مِن شَطَنَ: إذا بَعُدَ؛ لِبُعدِه عن الحقِّ، أو فَعْلانُ من شاطَ: إذا بطَل، ومن أسمائه: الباطلُ.

وقال الرَّاغبُ: مِن شاطَ: إذا احترقَ غضَبًا (١).

والمراد: متَمرِّدوهُم وشُطَّارُهُم.

﴿قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ﴾ خاطَبوا المؤمنينَ بالجملة الفعليَّةِ ادِّعاءً لإحداث الإيمانِ، إذ لا يَروجُ عنهم دعوى التَّحقيقِ (٢)، أو (٣) لا تساعدهم أنفسُهم على ذلك، إذْ ليسَ لهم صِدْقُ رغبةٍ ولا قوَّةُ داعٍ. وشياطينَهم بالاسميَّة مع التأكيدِ؛ لوجود الأمرينِ، ونفْيِ الشكِّ والتردُّدِ عنهم في كذب قولهم: (آمنَّا)، واستمرارِهم على دينهم وموافقتِهم.

ولكَ أنْ تقولَ: إنَّ مقتضَى المقامِ في الأوَّل تجريدُ الكلامِ عن جنْس المؤكِّد؛ لأنَّ التأكيدَ والتقويةَ فيه لا يخلو عن تذكيرٍ لنفاقهم، من حيثُ باعتبارِ أنَّ فيه دلالةً على إنكار المخاطَبِ وسوءِ ظنِّه، وهمْ في صدد التجنُّبِ فيه، والاحترازِ عن مظانِّه.

ومقتضَى المقامِ في الثاني تحليةٌ به؛ لأنَّ إظهارَهم الإيمانَ وموافقتَهم المسلمينَ في ظاهر الأحكامِ كان مظنّةً لإنكارِ المخاطَبينَ ثباتَهم على اليهوديَّةِ (٤).


(١) انظر: "تفسير الراغب" (١/ ١٠٣).
(٢) أي: لا يتوقعون رواج ادعاء الكمال في الإيمان على المؤمنين من المهاجرين والأنصار مع ما هم عليه من الرزانة والذكاء. انظر: "تفسير البيضاوي" (١/ ٤٧)، و"روح المعاني" (١/ ٤٤٦).
(٣) في "ف": (إذ)، والمثبت من باقي النسخ وهو الصواب. انظر المصدرين السابقين.
(٤) (على اليهودية) ليست في "ح" و"ف" و"ك".