للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وأمَّا نداءُ الدَّاعي المتضرِّعِ لربِّه بقوله: (يا ربِّ) مع علمهِ بأنَّه أقربُ إليه من حبل الوريدِ، فلِهَضم نفسهِ؛ استقصارًا لها، واستبعادًا من مظانِّ القُربة والزُّلفى.

و (أي): وصلة إلى نداءِ ما فيه الألفُ واللَّام؛ لتعذُّر الجمعِ بينَ حرفي التَّعريف، وهو اسمٌ مبهَمٌ يَفتقر إلى ما يُزيل إبهامَه؛ من اسم جنسٍ، أو ما يجري مجراهُ صفةً له حتى يحصلَ المقصودُ بالنِّداء.

وكلمةُ التنْبيهِ لمُعاضدة حرفِ النِّداءِ بتأكيد معناه، ووقوعِها عِوضًا عمَّا يستحقُّه (أي) من الإضافةِ.

و (النَّاسُ) صفة لـ (أي) واجبٌ رفْعُها، خاطبَهم مُقبِلًا عليهم بالنِّداء لأنَّ فيه هزًّا لِما يُلقيه إليهم من أمر العبادةِ لهُ.

﴿اعْبُدُوا﴾ قد مرَّ تفسيرُ العبادةِ، والأمرُ به يعمُّ أفرادَ المكلَّفين؛ لأنَّ اسمَ الجمع المحلَّى باللام للعموم حيثُ لا عهدَ، وما رُوي عن علقمةَ أنَّ كلَّ ما نزلَ فيه: ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ﴾ فمَكِّيٌّ (١)، إنْ صحَّ (٢) فلا يوجبُ تخصيصَه بالكفَّار، وليسَ المرادُ إحداثَ العِبادةِ خاصَّةً؛ بل ما يعمُّه والمواظبةَ عليها، فإنَّ هذا هو المناسبُ للمقام، وإنْ كان الأولُ هو المتبادرَ من الكلام، والعبرةُ في الكلام البليغِ لمقتضى المقامِ لا لِما (٣) يتبادرُ إلى الأفهام.


(١) رواه أبو عبيد في "فضائل القرآن" (ص: ٣٦٧)، وصحح إسناده الزمخشري في "الكشاف" (١/ ٨٩).
(٢) في هامش "د" و"م": (وإنما قال: إن صح؛ لأنَّه بعيد عن الصحة، كيف فإن سورة النساء مدنية وأولها: ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ﴾. منه).
(٣) في "ف": (بمقتضى الكلام لا لما)، وفي "ك" و"م": (بمقتضى الكلام لا بما).