للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وأمَّا الثَّاني: فلأنَّ قوله: ﴿وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ في مَعْرِض ﴿وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ من قوله: ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [يونس: ٣٨]- في قولكم: إنه مفترًى، اخْتلَقه محمدٌ من عند نفسِه فأعانه عليه قومٌ آخرون (١) - فهو أمرٌ بأن يستعينوا بكلِّ مَن يُعينهم في ذلك (٢).

فعلى هذا لا وَجْهَ للاشتراط المذكور.

وأيضًا لا بُدَّ من اعتبارِ قيدِ المماثَلةِ بين المنزَّلِ والمأمورِ بإتيانه، وعلى تقديرِ عودِ الضمير المذكورِ إلى المنزَّل عليه يلزم أن يكون الكلام خلوًا عن ذلك القيدِ المهم.

والشُّهداءُ: جمع شهيد، معناها على ما قال ابن عباس : أعوانكم؛ لأنَّ الشاهد كالعون للمدَّعِي في استخراج حقِّه، والمراد من الدعاء: دعاءُ استصراخٍ.

وكلمة (دون) لها معانٍ، والمراد هاهنا معنَى (غير)، وهي في الأصل اسمٌ، ولهذا دخله الخافضُ وخَفَضَها، ولكنها تُستعمل استعمالَ الحروف مفردةً عن اللام الذي هو للتعريف والتنوينِ الذي هو للتنكير - وهما من خصائص الأسماءِ - لأنها تفيد المعنى في غيرها كالحروف، فأُجريت مُجراها لذلك.

﴿إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ في زعمكم السابق ذكرُه، والصدق: الإخبارُ المطابِقُ للواقع، هذا إذا كان وصفًا للمتكلِّم، وأمَّا إذا كان وصفًا للكلام فهو الخبرُ المطابق للواقع.


(١) ما بين حاصرتين زيادة من "م".
(٢) في "م": (يعينهم على ذلك في زعمهم).