للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

مفعول ثان بمعنى: المرزوق، وأصل الكلام ومعناه: كلَّ حينٍ أو مرةٍ رزقوا مرزوقًا مبتدأً من الجنات مبتدأً من الثمرة، قيِّد الرزق المطلقُ بكونه من الجنات، ثم المقيَّدُ بكونه من الجنات قيِّد بكونه مبتدأً من أيِّ ثمرةٍ من ثمارها، فصاحب الحال الأولى ﴿رِزْقًا﴾ وصاحب الحال الثانية ضميرُه المستكِنُّ في الحال.

ويجوز أن تكون الثانيةُ للتبعيض؛ أي: كلَّما رزقوا من تلك الجنات بعضَ الثمرات، على أنه مفعول ثان، و ﴿رِزْقًا﴾ حال أو نصبٌ على المصدر (١).

وليس المراد من الثمرة: الثمرةُ الواحدة بالشخص، وإنما المرادُ النوع الواحد من أنواع الثمار، يقال: فلانٌ أدركتْ ثمرةُ بستانه، والمراد الجنس.

ويجوز أن تكون بيانًا؛ كما تقول: رأيت منك أسدًا؛ أي: أنت أسدٌ، وعلى هذا الوجهِ يصحُّ أن يراد بالثمرة النوعُ، والجَناةُ الواحدةُ.

﴿قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ﴾؛ أي: من قبلِ هذا في الدنيا، والمقول جملة تشبيهية لقوله: ﴿وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا﴾ أي: هذا مثلُ الذي - أو: كالذي - رزقنا من قبلُ، حُذف حرف التشبيه لاستحكام الشَّبَه كأنَّ ذاتَه ذاتُه.

وإنما جُعل ثمارُ الجنة من جنس ثمار الدنيا لتميل النفس إليها أولَ ما رأت، فإنه لو لم يكن من جنسها لأَمْكَن أن تنفرَ منها طباعُهم وتعافَها نفوسُهم في أول الوهلة


(١) في "م": (المصدرية). ولم يلتفت المحققون إلى جعل الثانية تبعيضية في موقع المفعول، ورِزْقًا مصدر مؤكد أو في موقع الحال من ﴿رِزْقًا﴾؛ لبُعده، مع أن الأصل التبيين والابتداء فلا يعدل عنهما إلا لداع، على أن مدلول التبعيضية أن يكون ما قبلها أو ما بعدها جزاء لمجرورها لا جزئيًّا، فتأتي الركاكة هاهنا. انظر: "روح المعاني" (٢/ ٥٢).