للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وبادئ النظر (١)، وهذا لا ينافي الْتذاذَه به فوقَ الْتذاذِه (٢) بمَأْلوفاتِه بعد الوقوف على طعمه، ولا يخالفُ ما اشتَهَر فيما بينهم من أنَّ لكلِّ جديد لذةً، ولأنهم إذا صادفوا ما الْتذُّوا به وأَلِفوه من جنسِ ما (٣) كان معهودًا لهم، ورأوا بينه وبين ما عَهِدوه تفاضُلًا بيِّنًا وتفاوتًا عظيمًا، عرفوا قَدْر النعمة وحقَّها، وبلغ استلذاذُهم به واستحسانُهم له إلى ما لا يمكن وصْفُه؛ لكونه نعمةً غيرَ مترقَّبةٍ، ولو كان من جنسٍ آخر - وإنْ فاق وبلغ غايةَ الحُسن وراق - لحسبوا (٤) أن ذلك الجنسَ لا يكون إلا كذلك، ولم يقع في أنفسهم وَقْعَ تلك النعمةِ.

وتكرارُهم هذا القولَ واستئنافُهم له عند كلِّ ثمرةٍ يُرزقونها دليل على تناهي الأمرِ في الفضيلة والمزيَّة، وأن ذلك الفرقَ البيِّنَ والتفاوتَ العظيم هو الذي يستدعي تلفُّظَهم بذلك ويَستنطقُهم ويَستَهِشُّهم فرحًا وحبورًا، ولا يدعُهم يَقَرُّوا ويسكتوا بل يستفزُّهم لذةً وسرورًا.

وعن مسروقٍ: نخل الجنة نضيدٌ من أصلها إلى فرعها (٥)، كلما نُزعت


(١) في هامش "د": (قوله - أي: قول صاحب "الكشاف" -: "لأنَّ الإنسان بالمألوف آنس" هذا جيد لو لم يضم إليه قوله: "وإذا رأى ما لم يألفه نفر عنه طبعه" فإنَّ بطلانه ظاهر، ولكل جديدة لذة، والحديث المعتاد مثلٌ في الكراهة. سعد الدين). ونقله الشهاب في "حاشيته على البيضاوي" (٢/ ٧٠) ثم تعقبه بقوله: وليس بشيء. وفيه: ( … والحديث المعاد … ).
(٢) في "د": (فوق ما التذ).
(٣) في النسخ عدا "د": (من جنسها)، والمثبت من "د".
(٤) في النسخ عدا "د": (ظنوا)، والمثبت من "د".
(٥) في هامش "د": (أي: نخل ثمارها [كذا، ولعل الصواب: ثمار نخلها] منضود من أولها إلى آخرها، يعني أن الثمر في كل جزء من أجزاء النخلة، لا في بعضها كما في الدنيا. قطب الدين).