للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تناوُلُ ما جاء في التفسيرين المذكورين، وما جادت به أكفُّ المحققين من أصحاب الحواشي عليهما؛ كالعلَّامةِ القزوينيِّ، والسعد التَّفتازانيِّ، والشَّريفِ الجُرْجانيِّ، وغيرِهم، ومناقشةُ ما حرَّروه، وتلوينُه بفكره الوقَّاد، مع زيادات كثيرةٍ وترجيحاتٍ وردود، فعند ذلك يتَبيَّن حقيقةُ هذا التفسير ومكانتُه التي يستحقُّها بين التفاسير.

لكن لا بدَّ هنا من التنبيه على حقيقةٍ مهمَّة، وهي أن هذه الطريقة في التفسير ليست بديلاً عن التفسير بالمأثور عن النبيِّ Object وأصحابه والتابعين وتابعيهم، بل هي حاجةٌ لمحها المتأخِّرون للعودة بالمسلمين في تعاملهم مع الكتاب الكريم إلى العصر الأول، عصرِ البلاغة والفصاحة، والذين كانوا يفهمون القرآن بالفطرة، لكنْ لما توسَّعتْ رقعة الإسلام، ودانَ به كثيرٌ من غير العرب، واختَلَطَ الحابِلُ بالنَّابِل، وامتَزجَ العربُ بالعجَم، وبَعُدَ بالناس العهد، وتغلغلت ألسنة العجم والكُرد، حتى صارَ كثيرٌ مما في الكتاب خارِجاً عن المألُوف، وأسلُوبهُ في البيانِ غيرَ مُستَوعَبٍ ولا معروف، رام علماءُ البيان بيانَ إعجاز هذا القرآن، فاخترعوا علمَ البلاغة والمعاني، ليكون أَوْصَلَ إلى معرفة التراكيب والمباني، وأَيْسرَ لفهم مَن مِن أجل ذاك يعاني، وبها تدرَك وجوه الإعجاز، ويزول بفهمها كلُّ غموضٍ أو إلغاز.

ولله درُّ أبي السعود، فقد لخَّص كلَّ ما ذكرناه، بكلمة واحدة في قوله الذي نقلناه، حيث قال في وصف منهج المتأخرين: (الذين راموا مع ذلك إظهارَ مزاياه الرائقة .. )، فانظر إلى قوله: (مع ذلك) وقارنه بقوله قبله في وصف المتقدِّمين: (الذين اقتصروا على تمهيدِ المعاني .. )، يظهر لك حقيقة ما أوضحناه، وأن

<<  <  ج:
ص:  >  >>