للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مسلما معلنا إسلام من وراءه من أتباعه فى اليمن، ورأي فيه النبي صلى الله تعالى عليه وسلم خيرا، فدعا له بخير، وقال فى دعائه: «اللهم بارك في وائل وولده، وولد ولده» .

وعلي طريقة النبي صلي الله تعالي عليه وسلم جعله واليا على الأقيال من حضر موت، وكتب كتبا بهذه الولاية، وكما يقول الحافظ ابن كثير، منها كتاب إلي المهاجر بن أمية، وكتاب إلي الأقيال والعباهلة.

ولقد أقطعه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أرضا من أرض الجنوب وهو إقطاع منفعة، لا إقطاع ملك، علي مال يقدمه لبيت المال.

وذلك لأن هذه أراض نائية عن أراضى المدينة المنورة، فلا يمكن أن يشرف عليها الإمام بالمدينة المنورة بنفسه، فيعطيها من يديرها، علي خرج يقدمه، كأجرة لها، أو يكون من بعضها.

ولما انصرف من حضرة النبي صلي الله تعالى عليه وسلم أرسل معه معاوية بن أبى سفيان، وسارا فى هذه الشقة البعيدة وهو راكب، ومعاوية راجل، فشكا معاوية حر الرمضاء، فقال في شكواه. انتعل ظل الناقة (أي لا ظل لها يستظل بها) ويغني عني ذلك، لو جعلتنى ردفا.

فقال وائل: اسكت، فلست من أرداف الملوك.

ولعل النبي صلي الله تعالى عليه وسلم أرسله مع ذلك القيل العنيف، ليري معاوية إذلال الملوك لمن معهم، فيكون رفيقا عندما يحول الخلافة إلي ملك عضوض، ويسير سير الملوك.

ومن العبر أن وائلا هذا عاش حتي آل الأمر إلي معاوية، وجعله ملكا عضوضا، يعض عليه بالنواجذ، يروى أن وائلا قدم علي معاوية، وهو علي هذه الحال، فعرفه معاوية وقربه وذكره بالرحلة التي كانت لهما، ثم عرض عليه جائزة سنية، فأبى أن يأخذها، وقال: أعطها لمن هو أحوج إليها مني.

وإن ذلك الرد عندي أعنف من رده عندما طلب أن يردفه، لأن مؤدي هذا الرد، أنك تعطي لتقرب وتدني، وتسكت الألسنة، ولتعالى اسمك بين الناس، والأولى بالعطاء المحتاج، وإن ذلك شأن الذين يبنون حكمهم علي شراء الألسنة، وإدناء ذوي السلطان، وعدم الالتفات إلي بر المحتاجين والضعفاء والمساكين يجعلون عطاياهم اتجارا، وصدقاتهم افتخارا.

<<  <  ج: ص:  >  >>