للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن هذه الرواية تدل على أنها لم تكن قد نزلت كلها، أو حملت كلها بل حمل منها ثلاثون آية تنتهى بقوله تعالى عن أهل الكتاب: يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ، أو أربعون آية تنتهى بقوله: انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا، وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.

هذا ما رواه ابن كثير، أما ما ذكره ابن إسحاق فإن ظاهره أن السورة كلها أنزلت عقب تبوك وحملها على بن أبى طالب ليتلوها على الناس، ويبين ما يتعلق بالحج.

ويقول فى ذلك ابن إسحاق: نزلت براءة فى نقض ما بين رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وبين المشركين من العهد الذى كانوا عليه فيما بينه وبينهم ألا يصد عن البيت أحد جاءه، ولا يخاف أحد فى الشهر الحرام. وكان ذلك عهدا على ما بينه وبين الناس من أهل الشرك، وكانت بين ذلك عهود بين رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وبين قبائل العرب خصائص إلى آجال مسماة فنزلت فيه، وفيمن تخلف من المنافقين عنه فى غزوة تبوك، وفى قول من قال منهم، فكشف الله تعالى فيها سرائر أقوام كانوا يستخفون بغير ما يظهرون، وظاهر هذا الكلام أن سورة براءة كلها نزلت عقب غزوة تبوك، وأن نصوصها السامية كلها تؤكد هذا المعنى وتوضحه، فهى كما رأينا عند الدعوة إليها تتبين فيها حال مؤمنهم ومنافقهم فى هذه الغزوة عندما دعا النبى صلى الله تعالى عليه وسلم إليها، وحال المخلفين، وأعذار المستضعفين، وما ينبغى أن يكون بالنسبة للجهاد.

وإننا إذا تركنا ظواهر هذه الرواية فإنا نقول: إنها نزلت كلها عقب غزوة تبوك، ولكن ما يحمل النبى صلى الله تعالى عليه وسلم عليا، إلا ببعض من أولها- الذى فيه منع المشركين من البيت الحرام، وصدهم عنه، لأنه لا يعمر مساجد الله إلا من آمن بالله واليوم الآخر، وذلك ما صرح به ابن إسحاق إمام السيرة، فقد قال رضى الله عنه: ولأن ذلك كان يشتمل على ما كلف عليا أن يبلغه، وهى الأمور التى ذكرناها آنفا.

وعبارات ابن إسحاق بعد تعميمه الأول تفيد تخصيصا بأول سورة براءة.

فقد قال: «دعا عليه الصلاة والسلام على بن أبى طالب رضوان الله تعالى عليه، فقال له اخرج بهذه القصة من صدر براءة، وأذن فى الناس يوم النحر إذا اجتمعوا بمنى، أنه لا يدخل الكعبة المشرفة كافر ولا يحج بعد هذا العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ومن كان له عند رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم عهد، فهو إلى مدته.

وهذا النص يدل على أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم حمله صدر سورة براءة، ولم يحمله السورة كلها.

<<  <  ج: ص:  >  >>