للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد بين الله سبحانه وتعالى الأعذار التى من شأنها أن تقبل، والأعذار التى لا يمكن أن تقبل، وبذلك يتميز العذر الحقيقى عن أعذار المنافقين التى لم يكن لها مسوغ، فقال تعالت كلماته: لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ، إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ، وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ. وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلَّا يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ (التوبة)

هؤلاء هم الذين يكون لهم عذر، ولا يؤاخذون فى التخلف، وهم الذين فيهم ضعف فى القوة، أو فى المال بألا يجدوا ما ينفقون منه، ولا يكون مع الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم ما يعينهم به.

أما غير ذلك فلا يعد عذرا، ولكن يعد تخلفا وقعودا فى وقت يجب أن تتضافر فيه القوى كلها وتجمع الجموع دائما. وقد أخرج إلى التجمع من التقدم للرومان الذين تعد جيوشهم بمئات الألوف لا بالعشرات منها.

ولذلك ذكر سبحانه وتعالى أنه لا تقبل منهم أعذار، وإنما عليهم السبيل فهم مسئولون عن تقاعدهم، وهو يدل على أن الإيمان لم يدخل قلوبهم.

وقد أشرنا إلى أن النفاق لم يكن من الخزرج الذين كانوا بالمدينة المنورة، بل كان منهم، وكان من الأعراب الذين دخلوا فى الإسلام، ولما يدخل الإيمان قلوبهم، وكانوا فى مجموعهم أميل إلى الكفر. وإن كان فى بعضهم إيمان، وقد قسمهم الله سبحانه وتعالى إلى ثلاثة أقسام:

أولها: قسم لم يدخلوا فى الإسلام بقلوبهم، وإن خضعوا له بأبدانهم. وأظهروا الطاعة، وقد قال تعالى فيهم: الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ، وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (التوبة)

وأولئك علموا الإسلام ممن هم فى باطن الصحراء وحول المدينة المنورة وخضعوا ولم يستجيبوا لداعى الإيمان، وذلك لأنهم حديثو عهد بالدخول، ولأنهم خضعوا للقوة، وحيثما كان الخضوع للقوة كان النفاق والكفر.

والقسم الثانى: دخلوا فى الإسلام، كما يدل ظاهر القرآن الكريم ولكنهم برموا بالصدقات، وعدوها مغرما، ولم يعدوها مغنما، وهؤلاء، إن كانوا مسلمين يعدون من ضعفاء الإيمان، وهذا القسم

<<  <  ج: ص:  >  >>