للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المؤمنين، وسمى هذا المسجد مسجد الضرار، ولقد قال الله تعالى فى مسجدهم هذا وفيهم: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ، وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنى، وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ. لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً، لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ، فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ. أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ، فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ، وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ. لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (التوبة)

هذا شأن المنافقين، وذلك شأن ضعفاء الإيمان. وأما شأن المؤمنين، فإنهم قد باعوا أنفسهم لله تعالى وأموالهم، فيقتلون ويقتلون وينفقون غير مدخرين نفسا ولا مالا فى سبيل الله، ولقد وصفهم الله أكرم وصف، فقال تعالي: التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ، الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (التوبة) ووصفهم بالسائحين هنا يراد به المجاهدون الذين يضربون فى الأرض جهادا فى سبيل الله سبحانه وتعالى، ولقد قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم «سياحة أمتى فى الجهاد» .

وبين سبحانه وتعالى من بعد أن العمل الصالح هو الذى يرفع إلى الله تعالى لا القرابة: ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ، وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ، وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ (التوبة) مع ذلك لم يغفر الله تعالى لأبى إبراهيم.

وإن من المؤمنين ناسا تخلفوا، وأحسوا أنهم ارتكبوا كبرا، وما أبدوا معذرة، لأنهم لا يريدون أن يكذبوا على الله ورسوله صلى الله تعالى عليه وسلم، حتى لا يرتكبوا جريمتين: جريمة التخلف والكذب على الله، وأولئك لا بد أن يتطهروا، فقاطعهم المؤمنون تربية لنفوسهم، وتزكية لقلوبهم، وقد ذكرنا أمرهم فى قصة غزوة تبوك، فرضوا أن يعذبوا بالهجران عن أن يكذبوا على الله ورسوله، حتى تاب الله تعالى عليهم: وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا، حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ، بِما رَحُبَتْ، وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ، وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ، ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (التوبة) وبعد ذلك التقسيم الحكيم، والخير العظيم ذكر سبحانه ما كان واجبا على المؤمنين والأعراب، فقال تعالى: ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>