للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يصروا على الشر، وفرق بينهم وبين الذين انتحلوا أعذارا، وكذبوا، وحلفوا وهم يعلمون أنهم كاذبون، وما قصدوا إرضاء الله، بل قصدوا إرضاء العباد، فلم يتوبوا، وارتكبوا الشر وأصروا عليه إصرارا.

وإنه إذا كانت التوبة الصادقة جبت ما قبلها. وبينت السورة الكريمة أمورا ثلاثة تدخل فى بناء المجتمع الصالح، وإذا لم تكن تخريب.

أولها: أن الجهاد تجريد النفس عن أعلاق الدنيا، وما يتعلق بالأحباب والمحبوبات من الأشياء والمتع، وأن المجاهد إن لم يتجرد ذلك التجرد، فإن على الأمة أن تتربص حينها، وتذهب قوتها، إن الأمة التى تريد الحياة يجب أن تتسربل سربال الجهاد، وتستشعر حياته، ولا جهاد مع الأثرة، ولا جهاد مع التعلق بالحياة، فإن لم تفعل فإنها تذل وتهون، ويتحقق فناؤها فى غيرها، وتعيش ذليلة مهينة.

ثانيها: أن النفاق كما أشرنا هو مقوض الجماعات يمنع توافر الثقة بين آحادها، والثقة أساس بنيانها، فما لم توجد الثقة لا توجد المحبة، والمحبة هى الرباط الذى يربط بين الآحاد، ويربط الجماعة، ولا يقطع حبال المودة والمحبة إلا أن يظن الإنسان بأخيه شرا ولا يمكن أن يكون التئام بين الأمة إذا كان كل واحد يتظنن بأخيه، والنفاق هو المادة التى بها تقطع الصلات. ولذلك وصف الله تعالى المنافقين والكافرين بأنهم يقطعون ما أمر الله به أن يوصل، وما أمر الله به أن يوصل هو المودة والمحبة والأخوة، وإن النفاق يفسد نفوس المنافقين، فيأمرون بالمنكر، وينهون عن المعروف ويفسدون الناس فتسرى عدواهم إلى الضعفاء ويلقون بالفرقة بين الأقوياء وما ساد النفاق فى قوم إلا تقطعوا فرقا ومزقوا مزقا.

ولقد بين القرآن الكريم صور النفاق فى هذه السورة بما لم يبين به فى سورة أخرى، وإذا كانت سورة (المنافقون الصغرى) قد بينت خلالا للمنافقين فى أطواء نفوسهم وانحرافاتهم، ومعاملتهم فسورة براءة، وقد أسميها سورة النفاق الكبرى قد بينت حالهم عندما تشتد الشديدة وعندما تكون الحرب وعندما تكون الأزمات.

وبينت أن النفاق قد يتجاوز العلاقات الإنسانية إلى مظاهر العبادات، فهم ينشئون مسجدا يكون ملتقى لاجتماعاتهم المريبة، ويبنونه إرصاد للاتصال بينهم وبين الرومان فى الشام، فهو إرصاد لمن حارب الله ورسوله صلى الله تعالى عليه وسلم، ويتظاهرون بأنه مسجد، فيكشف الله سترهم، ويكون فى التاريخ الإسلامى مسجد الضرار.

وإنه يجب لكى تكون الجيوش مجتمعة القوى لا بد أن تكون مجتمعة العزم، وذلك بإبعاد المنافقين وعدم دعوتهم فإنهم يريدون الفتنة، ويبتغونها والفتنة فى الجيوش طريق مؤكد لهزيمتها.

<<  <  ج: ص:  >  >>