للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد اعتزم الخروج من المدينة المنورة ميمما وجهه شطر المسجد الحرام لست بقين من ذى القعدة ولما عزم أعلن على الحج في المدينة المنورة وما حولها- فقدموا يريدون الحج مع رسول الله صلى الله تعالي عليه وسلم، ولما شاع الخبر في البلاد العربية، وافاه في الطريق خلق كثير، لا يحصون فكانوا من بين يديه، وعن يمينه وعن شماله على قدر رؤية البصر.

خرج بمن حول المدينة المنورة نهارا في التاريخ الذى أشرنا إليه وخطب الذين صحبوه من المدينة المنورة وعلمهم مناسك الحج، وكان كلما وفد عليه، وهو فى طريقه، وفد علمه مناسك الحج، وأبعدهم عن بقايا الجاهلية التي كان المشركون يتخذونها في بيت الله الحرام كالطواف عرايا.

وبين لهم كيف يكون الإحرام، ومواقيت الحج، وبين لهم أنواع الإحرام وما يلزم في كل نوع فبين لهم أن من أحرم بالحج والعمرة فعليه أن يسوق الهدي، ولا يتحلل إلا يوم النحر بعد أداء الحج، فيتحلل بنحر الهدي يوم النحر، ومن نوي العمرة ولم يسق الهدي فله أن يتحلل بنحر بعد السعي بين الصفا والمروة، والطواف بالبيت سبعا، يجب في ثلاث منها الهرولة، ويستلم في ابتداء كل واحدة الحجر الأسود تعرفا لكمالها.

وفى السعي سبعا بين الصفا والمروة يرمل بين الميلين الأخضرين، وأنه يلبي بعد الإحرام بأن يقول لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك، والملك لا شريك لك لبيك.

ثم بعد أن علم هذه المناسك قولا، وأراهم إياها عملا من بعد أن أحرم من ذي الحليفة ميقات المدينة المنورة، وعلمهم المواقيت كلها، وأنه يحرم عندها أو قبلها ولا يمر عليها إلا محرما.

وأهل النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بعد إحرامه بالحج والعمرة، وأهل بعض من معه، بالحج فقط، لأن العمرة تدخل فيه، وبالعمرة فقط، وقد فهم بعض الناس من إهلاله بالحج والعمرة أنه كان قارنا أى جامعا بينهما لأنه ساق الهدي ومن أهل بالحج كان مفردا أي لم ينو العمرة في حجته، ومن أهل بالعمرة فقط فإنه متمتع. لأنه المتمتع، يهل بالعمرة، ويؤديها ثم يتحلل منها، ثم ينوي الحج، ويذبح الهدي يوم النحر، وقد سمي القرآن القران تمتعا فجمع بينه وبين التمتع في عبارة واحدة، وهي قول الله تعالى:

فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ، وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ، تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ، ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ، وَاتَّقُوا اللَّهَ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ.

وإن الروايات تتضافر علي أن حجه صلي الله تعالى عليه وسلم كان قرانا وأنه عليه الصلاة والسلام يرتضي لنفسه أشدها كلفة، ولا شك أن القران يجمع كمالين: الهدى يساق ويعلم من أول إهلاله

<<  <  ج: ص:  >  >>