للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثم عاد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم مستمرا فى مقالته الأولى وقال: يا أيها الناس من أحس من نفسه شيئا فليقم أدعو له. فقام إليه رجل، فقال: «إنى لمنافق، وإنى لكذوب، وانى لشؤوم» فقال عمر بن الخطاب: ويحك لقد سترك الله لو سترت على نفسك؟. فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: مه يا ابن الخطاب فضوح الدنيا أهون عند الله من فضوح الآخرة، اللهم ارزقه صدقا وإيمانا وأذهب عنه الشؤم إذا شاء.

[توديعه لابنته:]

٧١٩- اختبر الله نبيه عليه الصلاة والسلام وهو بشر بفقد أولاده، واحدا بعد الآخر، لقد رزقه تعالى من خديجة أحب أزواجه إليه ستة: ذكران وأربع بنات، فقد القاسم والطيب وهو فى قوة شبابه، وفقد بعد ذلك وهو فى دار الهجرة ثلاث بنات من بناته، فقد رقية وهو فى غزوة بدر الكبرى ثم فقد زينب ثم أم كلثوم.

وأصيب وهو فى كهولته بموت إبراهيم أصغر أولاده، وكان قرة عين، وقال بعد دفنه متحاملا على أصحابه ناظرا إلى أحد: يا جبل إنك لا تحمل ما أحمل. وقال نبى البشر ذلك، وهو هاديء، فبكى عليه الصلاة والسلام والبكاء من الرحمن، والصراخ من الشيطان.

لم يبق له من أولاده إلا فاطمة الزهراء زوج أحب أصحابه إليه، فتجمع حب من فقدوا جميعا إذ صارت هى الوحيدة، والمستأثرة بالأبوة المحبة العطوف.

وكان لا بد أن يخصها بوداع لها بعد ذلك الوداع العام الذى ذكرناه.

وروى فى الصحيحين عن عائشة رضى الله تعالى عنها قالت: اجتمع نساء رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم عنده، لم يغادر منهن امرأة فجاءت فاطمة (رضى الله عنها) تمشى، لا تخطيء مشيتها مشية أبيها، فقال عليه الصلاة والسلام مرحبا يا بنتى فأقعدها عن يمينه (أو شماله) اختلاف فى الرواية، ثم سارّها بشيء فبكت، ثم سارها فضحكت، فقلت لها خصك رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بالسرار، وأنت تبكين فقلت أخبرينى ما سارك، فقالت ما كنت لأفشى سر رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فلما توفى عليه الصلاة والسلام قلت: أسألك لما لى عليه من الحق لما أخبرتنى. قالت أما الآن فنعم، فقد سارنى فى الأولى، قال لى إن جبريل كان يعارضنى فى القرآن الكريم كل سنة مرة وقد عارضنى فى هذا العام مرتين ولا أدرى ذلك إلا لاقتراب أجلى، فاتقى الله واصبرى فنعم السلف أنا لك فبكيت ثم سارنى فقال أما ترضين أن تكونى سيدة نساء المؤمنين أو سيدة نساء هذه الأمة، فضحكت.

<<  <  ج: ص:  >  >>