للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكانوا ينقلون بضائع الفرس إلى الرومان عن طريق اليمن، وبضائع الرومان إلى الفرس عن طريق الشام، فكانت لهم رحلتان: إحداهما فى الصيف يذهبون فيها إلى الشام يجلبون إليها بضائع الفرس، ويحملون فيها بضائع الرومان، والاخرى فى الشتاء يحملون منها بضائع الفرس ويحملون إليها بضائع الرومان، فكانت التجارة الخارجية سبيل ثروة كبارهم، والتجارة الداخلية مرتزق أوساطهم، وأما فقراؤهم فكان مرتزقهم من النعم الإبل والبقر والغنم.

ولذلك كان من مقتضى هذه الحياة التجارية أن يتجه محمد عليه الصلاة والسلام إلى التجارة، عمل الأغنياء ومرتزق الأوساط، وما من المعقول أن يستمر راعى أغنام، فإنها تناسبه وهو صغير السن، أما إذا كبر، فإنه لابد أن يتجه إلى التجارة الداخلية والخارجية، وأن يعرف الأسواق التى يكون منها الاستيراد، ويكون عن طريقها التصدير، ولابد حينئذ من أن يسافر، وقد ألهمه الله تعالى أن يطلب السفر مع قافلة قريش التى تحمل البضائع إلى الشام، وتجلب منها.

[سفره مع عمه]

١٠١- عندما بلغ سن المراهقة وشب عن الطوق كان لابد أن يتجه إلى مرتزق قومه وهو التجارة كما نوهنا من قبل، وجد القافلة وفيها كافله وولى نفسه، عمه أبو طالب، فابتغى أن يكون مع هذه القافلة، يسير بسيرها، ويجرب الحياة عن طريقها، ويدرس شئون التجارة التى يمارسها كبار التجار بمكة، ويتعرف الأحوال، ويكون على خبرة بالحياة وما يجرى فيها.

ويظهر أن عمه كان يستصغر سنه، ويرى أن تلك الرحلة الشاقة فوق طاقته، فوق أنه لا منفعة له فيها، إذ ليس فى القافلة مال له، حتى يتعرف حاله.

ولكن شدة رغبة النبى عليه الصلاة والسلام جعلته يستجيب لطلبه ولقد عبرت كتب السيرة عن رغبة محمد عليه الصلاة والسلام بقولها «صب به رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم- أى تعلق بالسفر- وأحب الصحبة فرق له أبو طالب وقال «لاخرجن به معى ولا يفارقنى، ولا أفارقه أبدا» .

ونقف هنا وقفة قصيرة، لماذا كان التعلق الشديد بذلك السفر؟ قد بينا ما فيه الجواب عن ذلك، وهو تعرفه التجارة وشئونها معرفة عيان لا معرفة إخبار، وأن يمهد لنفسه ممارستها، والاتجاه إليها بدل الاقتصار على رعى الغنم.

<<  <  ج: ص:  >  >>