للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال بحيرى: صدقت قد كان ما تقول، ولكنكم ضيف، وأحببت أن أكرمكم، وأصنع لكم طعاما تأكلون منه كلكم. فاجتمع القوم إليه، ولم يتخلف إلا محمد بن عبد الله رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم لحداثة سنه، وبقى تحت الشجرة يرعى إبلهم ويحرسها، فلما راهم لم ير الصفة التى عرف بها الرسول المنتظر فى كتبهم، فذكر لهم أنه طلب ألا يتخلف أحد منهم عن طعامه، فقالوا: يا بحيرى ما تخلف أحد ينبغى له أن يأتى، إلا غلام وهو أحدثنا سنا، فتخلف فى رحالنا، قال: لا تفعلوا ادعوه، فليحضر هذا الطعام.

فقال رجل من قريش مع القافلة: واللات والعزى إن كان للؤم منا أن يتخلف محمد بن عبد الله ابن عبد المطلب عن طعام من بيننا. حضر محمد صلى الله تعالى عليه وسلم الوليمة، واختصه الرجل بفضل من العناية فاحتضنه وأجلسه.

أخذ بحيرى يلحظه لحظا شديدا، وينظر إلى أشياء من جسده، قد كان يجدها عنده من صفته.

حتى إذا فرغ القوم من طعامهم، وتفرقوا قال له: يا غلام أسألك بحق اللات والعزى إلا أخبرتنى عما أسألك. وإنما قال بحيرى ذلك، لأنه سمع قومه يحلفون بهما.

فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وهو غلام لم يبعث: لا تسألنى باللات والعزى شيئا، فو الله ما أبغضت شيئا قط بغضهما. عدل بحيرى عن استقسامه بهما، وقال: والله إلا أخبرتنى عما أسألك عنه، فقال عليه الصلاة والسلام: سلنى عما بدا لك.

جعل بحيرى يسأله عن رحلته وهيئته وأموره، ورسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يخبره، ويقول ابن إسحاق: فوافق ذلك ما عند بحيرى من صفته.

ثم نظر إلى ظهره، فرأى خاتم النبوة بين كتفيه، فى موضعه من صفته التى عنده.

فلما فرغ أقبل على عمه أبى طالب، فقال: ما هذا الغلام منك، قال: ابنى!! قال بحيرى: ما هو بابنك، وما ينبغى لهذا الغلام أن يكون أبوه حيا. قال أبو طالب: فإنه ابن أخى. قال: فما فعل أبوه؟ قال:

مات وأمه حبلى به، قال: صدقت، ارجع بابن أخيك إلى بلده، واحذر من اليهود، فو الله لئن رأوه، وعرفوا منه ما عرفت ليبغنه شرا، فإنه كائن لابن أخيك شأن عظيم فأسرع به إلى بلاده.

فخرج به عمه أبو طالب سريعا، حتى أقدمه مكة، وأنجز تجارته «١» .


(١) البداية والنهاية لابن كثير، السيرة لابن هشام، الاكتفاء.

<<  <  ج: ص:  >  >>