للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وكأنه لا يعيش إلا فى حياة روحية من غير حرمان، فليست نفسه مثقلة بهموم الجسد، وإن شئت تقول أنه الملك المريد المكلف الذى لا يعصى الله، لأنه يريد ألا يعصى، فهو لا يعصى لا متناع المعصية عليه، بل لأنه يكف النفس عنها، فله فى الكف فضل، وليس كالملك يمتنع عليه العصيان.

[خديجة:]

١١١- لم يعرف أن محمدا صلى الله تعالى عليه وسلم، يتكلم فى صغره، ولا فى باكورة شبابه فى أمر الزواج إلا بعد أن نبه إليه، وصار مطلوبا، ولم يكن طالبا، ولنذكر الأخبار كما جاءت فى كتب السيرة فيما يتعلق بزواجه من سيدة قريش، كيف ابتدأت بالمشاركة فى التجارة، ثم بالمشاركة فى الحياة.

اشتهر محمد صلى الله تعالى عليه وسلم، بالأمانة والخلق الكريم، وتحدثت بأمانته الجماعات المكية فى سمرها وفى مجالسها، وكان قد مارس التجارة فى دائرة محدودة فى داخل مكة على قدر طاقته، وما يملك، وإنه لقليل.

وكان لخديجة مال كثير، حتى إن عيرها التى تحمل بضائعها، كانت تعادل عير قريش كلها فى حجمها، ونفاسة ما اشتملت عليه من بضائع التجار.

وكانت حكيمة شريفة فى قومها، تحتفظ بجمال، وشباب، وكانت أرملة زوجا لرجلين قد ماتا، وما كانت تتولى تجارتها بنفسها، لأن ذلك لم يكن شأنا من شئون النساء، بل السفر والترحال للاتجار كان من شئون الرجال، لصعوبة السفر فى هذا الإبان، وكما وصف السفر عبد الله بن عباس: لولا الأثر لقلت إن العذاب قطعة من السفر وليس هو قطعة من العذاب.

كانت خديجة مع قوة شخصيتها لهذه الاعتبارات لا تذهب بتجارتها إلى الشام، وكانت تسلك إحدى طريقتين- إحداهما- أن تؤجر ناسا يكونون وكلاء عنها فى التجارة على أجر معلوم تعطيهم إياه، على مقدار ما يبذلون من جهد فى الرحلة، يبيعون ويشترون باسمها، ولا شأن لهم فى كسب التجارة، وإنما لهم أجر معلوم يأخذونه كسدت التجارة أو ربحت، وأجرهم مقدر بالأمن أو بالعمل أو بهما معا.

الثانية: طريقة المضاربة الشرعية، وذلك بأن يتجروا فى المال بعقد بينها وبينهم على أن يكون الربح بينها وبينهم، مقسوما بحصص شائعة كالربع أو الثمن أو السدس، أو نحو ذلك، وملكيتها قائمة، وإذا خسرت التجارة تكون الخسارة عليها واحدها، لأن المال باق على ملكيتها، ويسمى هذا العقد المضاربة أو القراض.

<<  <  ج: ص:  >  >>