للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولا شك أن الطريقتين كانتا تحتاجان إلى أمانة كاملة، فكانت تتحرى فى أولئك العاملين لها الأمانة، لأنهم فى عملهم ينوبون عنها، ولا تلقاهم إلا فى ذهابهم ومجيئهم وكانت مع ذلك ترسل من قبلها من يكون معهم كميسرة مولاها.

ولما كان محمد صلى الله تعالى عليه وسلم يعمل فى تجارة محدودة، وقد بلغها أمانته، وشرفه، وعفته واستقامة نفسه، اتجهت إليه، وكان هو فى مطارح أنظارها، والظاهر أنه بمجرد أن خطر على خاطرها، لم ترض غيره بديلا، لأنه لم يكن له نظير بين العرب، فى أمانته وعفته وشرف نفسه، وخلقه الكريم، وبعده عن التدلى إلى مهوى الرذيلة.

١١٢- بينما هى تفكر فى اختياره وكيلا عنها فى رحلة القافلة التى تحمل عيرها مع غيرها كان أبو طالب عم النبى عليه الصلاة والسلام يفكر فى أن يعرض محمدا، صلى الله تعالى عليه وسلم، عليها للعمل فى تجارتها وكيلا، ليبعد عن محمد صلى الله تعالى عليه وسلم، جهد السنين الشديدة التى كانت فى الأسرة.

ويظهر أنها كانت تبحث عمن تراه كفئا لحمل العبء، ويتهافت عليها الطالبون، فأشار أبو طالب على محمد صلى الله تعالى عليه وسلم، القوى الأمين، بأن يعرض نفسه مسارعا إلى ذلك خشية أن يسبقه غيره، ولكن محمدا صلى الله تعالى عليه وسلم، يرى فى العرض ذلة لا يرضاها الكريم، ومثار اتهام لا يرضاه الأمين، فهو يريد عزة المطلوب، لا ذلة الطالب، ولننقل للقارئ الكريم المجاوبة التى كانت بين العم وابن الأخ:

قال أبو طالب: يا ابن أخى أنا رجل لا مال لى، وقد اشتد الزمان علينا، وألحت علينا سنون منكرة، وليس لنا مادة ولا تجارة، وهذه عير قومك قد حضر خروجها إلى الشام، وخديجة بنت خويلد تبعث رجالا من قومك، يتجرون فى مالها، ويصيبون منافع، فلو جئتها لفضلتك على غيرك، لما يبلغها عنك من طهارتك، وإن كنت أكره أن تأتى إلى الشام، وأخاف عليك من يهود، ولكن لا نجد بدا من ذلك.

فيقول محمد الأمين صلى الله تعالى عليه وسلم: لعلها ترسل إلى فى ذلك.

فقال أبو طالب: أخاف أن تولى غيرك «١» .


(١) المناقشة فى شرح المواهب اللدنية.

<<  <  ج: ص:  >  >>