للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومهما تكن دلالة ذلك النص فإن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم حمل عبء الجهاد ودخول الميدان بنفسه من غير ضن بها وكان أصبر أصحابه فى الجهاد، فما فر قط من صفوف القتال، وما يختاره فى موضع أمن، ولو تولى عنه كل من حوله.

ولقد روى عن فارس الإسلام على بن أبى طالب كرم الله وجهه أنه قال: «إنا كنا إذا حمى البأس، واحمرت الحدق اتقينا برسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه، ولقد رأيتنى يوم بدر، ونحن نلوذ بالنبى صلى الله تعالى عليه وسلم. وهو أقربنا إلى العدو، وكان من أشد الناس بأسا»

وكان عليه الصلاة والسلام هو العلم الذى نهتدى به فى الميدان، أشجع المجاهدين وأصبرهم صلى الله تعالى عليه وسلم.

ويقول عبد الله بن عمر الذى شاهد الحرب، ما رأيت أشجع ولا أنجد ولا أجود ولا أرضى من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو الشجاع الرضى الكريم الصبور، الذى يقف فى الهيجاء، ويحمل سيفه، ليجيب كل هيعة.

وإنه عليه الصلاة والسلام كان قوى الاحتمال مع شجاعة، ورباطة جأش، لقد جرح فى يوم أحد، واشتدت جراحه، وأنزفت دمه، ومع ذلك دوام على الحرب، ولم يهن ولم يستكن.

ولقد أريد قتله عليه الصلاة والسلام فى هيجاء أحد، واضطرابها، فجاء أبى بن خلف يريد قتله، وقد أعد لذلك عدته منذ بدر الكبرى، إذ كان فى الأسرى، فلما كان أحد، ولم يكن للمسلمين جاء وقد ادرع بالحديد، لا يرى منه إلا عينه، حتى لا يصيبه سيف أو رمح، وهو يقول: أين محمد صلى الله عليه وسلم؟ لا نجوت إن نجا محمد، فاعترضه رجال من المسلمين، فقال محمد صلى الله عليه وسلم الذى أنزف من دمه ما أنزف، خلوا طريقه، وتناول الحربة من الحارث بن الصمة، وحملها، وانتفض بها انتفاضة تطايروا تطاير الشعراء عن ظهر البعير إذا انتفض، فطعنه عليه الصلاة والسلام فى عنقه طعنة تدأدأ منها من فرسه مرارا، وقيل بل كسر ضلعا من أضلاعه، فرجع إلى قريش يقول: قتلنى محمد- صلى الله عليه وسلم- وهم يقولون: لا بأس عليك. فقال: لو كان يجمع الناس لقتلهم، أليس قد قال أنا أقتلك، والله لو بصق على لقتلنى، فمات فى سرف فى قفولهم إلى مكة المكرمة «١» . وإنه فى حرب هوازن ثبت واحده، وذلك كاف لبيان مدى شجاعته وصبره.


(١) الشفاء ج ١ ص ٦٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>