للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولقد وصف النبى صلى الله تعالى عليه وسلم النبيين فى حديث المعراج بما يدل على كمالهم الجسمى. وهو كمال فيه جمال. لا يكون ما يسوغ النفرة منهم أبدا. فقد روى سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وصف لأصحابه إبراهيم وموسى وعيسى. فقال: «أما إبراهيم فلم أر رجلا قط أشبه بصاحبكم. ولا صاحبكم أشبه به منه. وأما موسى فرجل ادم طويل ضرب جعد أقنى كأنه من رجال شنوءة «١» . وأما عيسى ابن مريم فرجل أحمر بين القصير والطويل سبط الشعر. كثير خيلان الوجه، كأنه خرج من ديماس. تخال رأسه يقطر ماء. وليس به ماء، أشبه رجالكم به عروة بن مسعود» .

وإن هذه الأوصاف لأولئك الأنبياء الثلاثة، وهم من أولى العزم من الرسل، تدل على كمال التناسق الجسمى فيهم مع اختلاف فى الأوصاف الجزئية. واتفاقهم فى أصل التنسيق، وقد روى الدارقطنى من حديث أنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أن النبى عليه الصلاة والسلام قال: «ما بعث الله تعالى نبيا إلا حسن الوجه حسن الصوت. وكان نبيكم أحسنهم وجها وأحسنهم صوتا» (صلى الله تعالى عليه وسلم) .

لم يكن بدعا من الأنبياء أن يكون كل ما عليه محمد، صلى الله تعالى عليه وسلم من الخلق والتكوين مسترعيا للأنظار، هو جميل فى جسمه، كما هو جميل فى خلقه، وإنه عندما تحدى قريشا بالقران الكريم، وعاب الهتهم، وبين بطلان عبادتها، ورأوا أبا طالب عمه فكلموه. وهو يحميه دونهم.

أتوا بفتى نهد هو أجمل قريش فى زعمهم، ليكون ولدا لأبى طالب، ويسلم لهم محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام ليقتلوه، فرفض تلك المساومة على ابن أخيه، وقال فى تهكم لاذع «تعطونى ولدكم أغذوه لكم، وأعطيكم ولدى تقتلونه» وهذا الخبر يدل على أن محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم قد بلغ الكمال الجسمى، إذ سواه الله تعالى فأحسن خلقه.

ولا شك أن ذلك التناسق الجسمى له أثره فى الدعوة، والاستجابة لها إذ كان مصحوبا بإشراق روحي، وإنه مما يروى فى ذلك أنه بعد أن تجاوبت الدعوة المحمدية فى الأصداء، وعرفت فى أرجاء الجزيرة العربية، وشاع خبر المكاذبين وهم الكثرة، كالشأن فى كل دعوة جديدة تجيء على لسان رجل يأتيهم بجديد لم يألفوه، فى هذه الأثناء قابل أعرابى محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام فراعه منظره، وإشراق وجهه، وتلألؤ النور فى جبينه، فسأله: من أنت؟ فقال: محمد بن عبد الله- صلى الله عليه


(١) الضرب الخفيف اللحم، والجعد المنكسر الشعر، والأقنى المرتفع قصبة الأنف، وشنوءة من الأزد، والادم ذو الحمرة المشرب بسمرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>