للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تكون مدنسة بالشر قد سكنها الشيطان وغلبت عليها وساوسه، فالقلب لا يصدق، ويكون ممن جحدوا بها، واستيقنتها أنفسهم، ولقد كان المشركون يعرفون قوة تأثيره الشخصية، فوق ما معه من حق وبينات تثبت صدق ما يأتي، ولذلك كانوا يسبقون إلى قبائل العرب ينفرونهم، لكيلا يؤثر فيهم بشخصه وقوله، وبينات الله تعالى التى أجراها على يديه، ونزل بها الوحى الإلهى.

ومع كبر ما صنعوا، لم ينفر الناس من الاستماع إليه، والانعطاف، لأن الحق بين، والحجة قائمة، والداعى تنجذب إليه النفوس، وتصغى إليه أفئدة طلاب الحق الذى لا يمتارون فيه إن وجه إليهم ودعوا إليه.

١٧٠- وكان كل شيء فى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يعلن قوته وجماله وكماله، فكان فى شكله الشاب وقد تجاوز الستين من عمره، لم يكن فيه شيب. بل كان أسود الشعر، حتى عد الذين خالطوه من صحب وخدم شعرات شيبه فذكروا أنه لم يشب فى لحيته ورأسه إلا عشرون شعرة، وعدها خادمه أنس رضى الله عنه بأنها إحدى عشرة، حتى أنه كان يوصف بالشاب. وقد تجاوز الستين فى أصح الروايات عن سنه، وإذا كان تغيير فى بعض شعره ظن خضابا فإنه لم يكن خضابا، وإنما كان من كثرة ما يضمخ به شعره من مسك، فقد كان يحب الطيب، وقد روى عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: «حبب إلى من دنياكم ثلاثة: النساء، والطيب، وجعلت قرة عينى فى الصلاة» .

ونرى أنه عليه الصلاة والسلام جعل الصلاة من الدنيا، إذ وصفها مما حبب إليه من شئون الدنيا، لأن الصلاة مع جانبها الروحاني، ومع أن فيها ذكر الله تعالي، هى تصلح الدنيا، لأن الصلاة تربى الضمير، وترهف الوجدان، فتنهى عن الفحشاء والمنكر، وبذلك تصلح شئون الدنيا والاخرة معا.

وإنه صلى الله تعالى عليه وسلم كان حريصا على الطيب يتطيب به دائما، حتى أنه كان ينبعث عرف الطيب فى مجلسه، ولقائه، وفى مظاهر حسه، وكان إذا مس رأس طفل استمر العرف الطيب فى رأسه، وإنه ليعرف أن الرسول مر فلمس طفلا بالريح الطيب.

ولا شك أن العرف الطيب تستروح به النفس، ويقبل معها الجليس، وتنجذب إليها النفوس، وإن الرائحة الكريهة تنفر، وتبعد.

وكان عليه الصلاة والسلام يعنى بالنظافة فى المظهر، كما عنى بتطهير المخبر، كان يعنى بنظافة الحس، كما عنى بنظافة النفس، ولنترك الكلمة للقاضى عياض يبين ذلك.. فقد قال:

وأما نظافة جسمه وطيب ريحه وعرفه، ونزاهته عن الأقذار، وعورات الجسد، فقد خصه الله تعالى بخصائص لم توجد فى غيره، ثم تممها بنظافة البشرة وخصال الفطرة وقال: «بنى الدين على النظافة..»

عن أنس خادم رسول الله «ما شممت عنبرا قط، ولا مسكا ولا شيئا أطيب من ريح رسول الله

<<  <  ج: ص:  >  >>