للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«أيها الملك لا تفعل، فإنك إن أبيت إلا ما تريد، حيل بينك وبينها، ولم نأمن عليك العقوبة» فقال لهما: ولم ذلك: قالا: «هى مهاجر نبى يخرج من هذا الحرم من قريش تكون داره وقراره» «١» .

ولقد كانت أخبار اليهود بنبى يجيء تشيع فى يثرب، وتنتقل إلى أهلها طبقة بعد طبقة، وكان من أسباب مسارعة الأنصار للاستجابة للنبى عليه الصلاة والسلام، وكان لهم بذلك علم بالكتاب أتى إليهم من اليهود، وقد ذكر قتادة عن رجال قومه، والسبب فى مسارعتهم إلى إجابة النبى عليه الصلاة والسلام إلى النصرة والإيمان فقال:

«إن مما دعانا إلى الإسلام مع رحمة الله، وهداه لنا لما كنا نسمع عن رجال يهود، وكنا أهل شرك وأوثان، وكان عندهم علم ليس لنا، وكانت لا تزال بيننا وبينهم شرور، فإذا نلنا منهم بعض ما يكرهون، قالوا لنا إنه قد تقارب زمان نبى يبعث الان نقاتلكم معه قتل عاد وإرم، فكنا كثيرا ما نسمع ذلك منهم، فلما بعث الله رسوله صلى الله تعالى عليه وسلم أجبناه حين دعانا إلى الله تعالى، وعرفنا مما كانوا يتوعدوننا به، فبادرناهم إليه، فامنا به وكفروا» «٢» .

ولم يكن اليهود يذكرون خبر النبى عليه الصلاة والسلام مقتصرين على الخبر، بل يذكر مع ذلك الإيمان باليوم الاخر، والجزاء بالنعيم المقيم، أو بالجحيم، ويظهر أنهم لم يكونوا من الذين ينكرون البعث، ففيهم من يصدقه، ومنهم من يكفر به.

ولقد ذكر بعض من الأنصار، وهو سلمة بن سلام، فقال:

«كان لنا جار من يهود بنى عبد الأشهل، فخرج علينا من بيته، حتى وقف على بنى عبد الأشهل؛ فذكر القيامة والبعث والحساب والميزان، والجنة والنار. فقالوا له: ويحك، أو ترى هذا كائنا: أن الناس يبعثون بعد موتهم إلى دار فيها جنة ونار، يجزون فيها بأعمالهم!! قال نعم، والذى يحلف به ... فقالوا له: ويحك، فما اية ذلك! قال: نبى مبعوث نحو هذه البلاد، وأشار بيده إلى مكة المكرمة واليمن، فقالوا:

ومتى نراه، قال سلمة: فنظر إلى وأنا من أحدثهم سنا فقال: «إن يستنفد هذا الغلام عمره يدركه» «٣» .

قال سلمة: «فو الله ما ذهب الليل والنهار، حتى بعث الله محمدا رسول الله، صلى الله عليه وسلم وهو حى بين أظهرنا، فامنا به، وكفروا به بغيا وحسدا» .

ولقد عرف بعض اليهود وصف النبى عليه الصلاة والسلام وفيه إنه يسبق حلمه جهله، فهو لا يحمق.


(١) البداية والنهاية ج ٢ ص ١٦٤.
(٢) سيرة ابن هشام ج ١ ص ٢١١.
(٣) سيرة ابن هشام ج ١ ص ٢١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>