للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعد هذا مكثوا شهرا لا يصلون إليه، ولا يأذن لهم بالانصراف، ثم انتبه انتباهة، فأرسل إلى عبد المطلب فأدنى مجلسه وأخلاه ثم قال: «يا عبد الله إنى مفض إليك من سر علمى ما لو يكون غيرك لم أبح به، ولكنى رأيتك معدنه، فأطلعتك طليعة، فليكن عندك مطويا، حتى يأذن الله تعالى فيه، فإن الله تعالى بالغ أمره. إنى أجد فى الكتاب المكنون، والعلم المخزون الذى اخترناه لأنفسنا، واحتجّناه دون غيرنا، خبرا عظيما، وخطرا جسيما، فيه شرف الحياة، وفضيلة الوفاء للناس عامة، ورهطك كافة ولك خاصة» .

فقال عبد المطلب: مثلك سر وبر، فما هو فداؤك أهل الوبر زمرا بعد زمر.

قال سيف بن ذى يزن ساجعا سجع الكهان: «إذا ولد بتهامة، غلام به علامة، بين كتفيه شامة، كانت له الإمامة وله به الزعامة إلى يوم القيامة» .

قال عبد المطلب: - أبيت اللعن- لقد أتيت بخبر ما اب به وافده، ولولا هيبة الملك وإجلاله وإعظامه لسألته من بشارته إياى ما أزداد به سرورا.

قال ابن ذى يزن.: «هذا حينه الذى يولد فيه، أوقد ولد. اسمه محمد صلّى الله عليه وسلّم يموت أبوه وأمه، ويكفله جده وعمه، وقد تاه مرارا؛ والله باعثه جهارا، وجاعل منا أنصارا يعزيهم أولياءه، ويذل بهم أعداءه، ويضرب بهم الناس من عرض، ويستبيح بهم كرائم الأرض، يكسر الأوثان، ويخمد النيران، يعبد الرحمن، ويدحر الشيطان، قوله فصل، وحكمه عدل، يأمر بالمعروف ويفعله، وينهى عن المنكر ويبطله.

قال عبد المطلب: عز جدك وعلا كعبك، ودام ملكك، وطال عمرك، فهذا نجارى، فهل الملك سار لى بإفصاح، فقد أوضح لى بعض الإيضاح.

قال ابن ذى يزن «والبيت ذى الحجب، والعلامات على النقب، إنك يا عبد المطلب لجده غير كذب» .

فخر عبد المطلب ساجدا، فقال: ارفع رأسك، ثلج صدرك، وعلا أمرك، فهل أحسست شيئا مما ذكرت لك.

قال عبد المطلب: كان لى ابن، وكنت به معجبا، وعليه رفيقا، فزوجته كريمة من كرائم قومه، امنة بنت وهب. فجاءت بغلام سميته محمدا، فمات أبوه وأمه، وكفلته أنا وعمه» .

قال ابن ذى يزن: «إن الذى قلت لك كما قلت، فاحتفظ بابنك، واحذر عليه اليهود، فانهم له

<<  <  ج: ص:  >  >>