للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن النبى عليه الصلاة والسلام كان يتحدث عنه، ولا يتحدث هو معهم، وإنه عندما التقى ببحيرا الراهب صغيرا كان قومه يتحدثون عنه، ولم يعرف التاريخ أنهم ذكروا له ما حدث به الراهب.

وكذلك الأمر فى رحلته الثانية بعد أن صار شابا سويا، كان الحديث عنه، ولم يثبت أن الحديث كان معه.

وهكذا إذا كان يتلقى الكلام فى نبى منتظر، فإنه يتلقاه كما يتلقى قومه، ولم يعرف أنه كانت له عناية خاصة بتاريخ النصارى؛ ولا بأخبار اليهود ولا بشيء من ذلك، بل عنايته فى مطلع حياته بكسب الرزق؛ وفى شبابه الأول بالتجارة، ثم بعد أن توافر له الرزق انصرف إلى العبادة والتحنف الليالى والشهور، وفى كل أحواله كان كثير التأمل، يدرس الخالق من خلقته، والمنشيء مما أنشأه.

ولكن كتاب الفرنجة يدعون أن محمدا عليه الصلاة والسلام كان قبل البعثة يتتبع أخبار اليهود، ويستمع إلى ما يحدث به أحبار اليهود، ورهبان النصارى، وأنهم يرمون بهذا إلى أمرين:

أحدهما: إثبات أن محمدا عليه الصلاة والسلام ما وصل إلى ترك الأوثان إلا بتعاليم اليهود والنصارى، وأنه ما وصل إليها بمنطقه وفطرته وبقايا ديانة إبراهيم عليه السلام، وكأنهم يريدون أن يصوروا ما كان دون زيد بن نفيل وورقة بن نوفل، وقد ثبت أنه كان يكره اللات والعزى وهو فى الثانية عشرة من عمره، وقد ثبت ذلك فى أخبار بحيرا الراهب.

وثانيهما: ادعاء أن القران الكريم أخذ أخبار النبيين وقصصهم من التوراة والإنجيل، وأن العلم بهذا علم تلق، وليس بوحى من الله تعالي، مع أنه من الثابت أن قصص الأنبياء فى القران هو الصادق الذى لا يمترى فيه، وغيره فيه الفساد والضلال كخبر سكر لوط، ومواقعته ابنتيه، وكزنى داود بامرأة قائد جيشه فهى أكاذيب ليست فى القران الكريم.

وقد تبعهم بعض المغترين بهم من الكتاب عن نية حسنة، ولم يدركوا خبيئة نفوسهم، وخبث تفكيرهم.

ألا فليتركوهم واستنباطهم، وليتتبعوا أخبار النبى عليه الصلاة والسلام من كتب السيرة الدقيقة البعيدة عن الأوهام، وليتركوا اتباع الاستنباط الفاسد، من غير خبر تاريخى يؤيده، ولا سند صادق يزكيه.

وليعلموا أن النبى عليه الصلاة والسلام كان بعيدا عن الأحبار والرهبان، وما كان يصدق كهانة الكهان، ونهى بعد البعثة عن الاستماع إلى الكهان، وكان يستنكر سجع الكهان، ويستنكر تصرف من يحاكيهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>