للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان الالتقاء بالروح القدس على مرتين أولاهما تمهيد لاخراهما، كانت الأولى، وهى كاملة، وإن كانت فى منام هو كالصحو، إذ لا يقل عنه وضوحا، وقد تلقى فيه أول القران الكريم فوعى ما وعى، وحفظ ايات ربه الأولى، ولما ذهب عنه النوم الصافى كان يحفظ كل ما حفظ، لا ينسى منه شيئا.

ولما رأى الوجود ببصره، كما كان فيه ببصيرته التقى بالذى راه فى منامه، راه وهو شهيد، وقد استأنس بالرؤيا التى صدقها، وخاطبه مرة أخرى فى عالم الشهادة، ولولا أنه قد استأنس به ابتداء فى الرؤيا الصادقة، لعظمت المشقة عليه، وهنا فى هذه المرة أدرك أنه ينادى بالرسالة من قبل الله تعالى، وأنه شرفه بها، وكان عليه الصلاة والسلام فى هذين اللقاءين محفوفا بالنور القدسى، وإن كان شديدا على النفس البشرية التى عاشت فى الأرض، ولو كانت بصفائها متطلعة إلى النور الربانى الذى يملأ أطوارها، ويحيط بثناياها.

وفى هذا اللقاء النورانى نزل أول القران الكريم، وكانت ليلته ليلة القدر التى فرق فيها الأمر وأبرم برسالة محمد بن عبد الله صلى الله تعالى عليه وسلم، كما قال سبحانه وتعالى: إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ. وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ. لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ. تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ. سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ «١» على كلام فى ذلك سنتصدى لبيانه.

ويقول الرواة أن ذلك كان فى الليلة السابعة والعشرين من رمضان بعد أربعين سنة من عام الفيل، وقيل أنها كانت الرابعة والعشرين من ذلك الشهر المبارك، ومهما يكن اختلاف الرواة فى تعيينها فإنها كانت فى رمضان كما قال تعالى: شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ، هُدىً لِلنَّاسِ، وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ «٢» على كلام فى ذلك أيضا.

[قلق الزوجة الصالحة:]

١٩٧- بإلهام المرأة الصالحة الذكية القلب، الطاهرة النفس أحست خديجة زوج محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم بما فيه زوجها من مشقة، فانزعجت عليه على غير عادة، وقد ألفت منه الغيبة فى شهر رمضان، وكانت هى التى تزوده بزاد المادة، والله تعالى يزوده بزاد التقوي، انزعجت، فأخذت تسأل عنه، وهى تعلم أنه فى غار حراء، لأنها أحست أنه فى جهاد روحى، جهاد من ينزع من الأرض، ليتصل بالسماء.


(١) سورة القدر كلها.
(٢) سورة البقرة: ٨٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>