للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يعيش فى ذلك القلق والاضطراب تلك المدة الطويلة من غير أن يعرف له غاية ينتهى عندها، وفوق ذلك، فإن الاستعداد لأمر خطير لا يستمر تلك المدة الطويلة، بل هى قد تحمل على النسيان بين اللقاءين، وإن المصادر الأصلية، والأحاديث لم تذكرها، فلم يذكرها ابن اسحاق، ولم يروها البخارى.

ولقد قال السهيلى إن المدة سنتان ونصف، وقيل إنها سنتان، وقيل فيها مدد مختلفة أقلها ثلاثة أيام وأكثرها أربعون، وقد روى أن ابن إسحاق جزم بأن الذين قالوا ثلاث سنين أو سنتين قولهم وهم.

وإن الذين قالوا إنها ثلاث سنين استندوا إلى ما جاء فى تاريخ الإمام أحمد، ويعقوب بن سفيان عن الشعبى أنه قال: «الفترة وهو ابن أربعين سنة، فقرن بنبوته إسرافيل ثلاث سنين، وكان يعلمه الكلمة» .

وهذه الرواية لا نحسب أنها عالية مما يوجب الريب، فأولا: نذكر أن إسرافيل هو الذى كان يعلمه فى مدة ثلاث السنين، ولم يثبت ذلك، بل الثابت أنه من أول تلقى نور السماء اتصل به جبريل الأمين روح القدس، وثانيا: أن الشعبى تابعى ولم يذكر من الذى نقل له هذا من الصحابة، وقد أنكره كثير من الرواة، فقد قال الواقدى إنه لم يكن من الملائكة من قام بالاتصال بالنبى عليه الصلاة والسلام إلا جبريل عليه السلام.

وفى الجملة أنه بعد ذلك البيان نرى أن تقدير مدة الفترة بالسنين أيا كان مقدارها غير معقول ولا مقبول، وليس له سند صحيح حتى يكون منقولا، حجته النقل. وإنما الذى نعتقده أن المدة لابد أن تكون فى دائرة الأشهر، ولعلها خمسة أشهر وبعض، على ما نشير من بعد.

٢٠١- إلى هنا ذكرنا اللقاء الأول للوحى النبوى، الذى أفاض الله به تعالى على محمد بن عبد الله صلى الله تعالى عليه وسلم، ولكن لا ننتهى من هذا الجزء، وننتقل إلى ابتداء التبليغ، والقيام بعبء الدعوة، والجهاد فى سبيلها، من وقت أن صدع بأمرها، قبل أن نحقق الأمر، فى ثلاثة أمور تحدث العلماء فى أمرها:

أولها: الشهر الذى نزل فيه الوحى، أهو رمضان، وهو ما ذكرته كتب السيرة وما رجحناه وانتهينا إليه، وسقنا سيرة الرسول عليه الصلاة والسلام الطاهرة عليه، وكان يصح ألا نذكر سواه، ولكن لم نرد أن نترك أمرا اختلف فيه العلماء من غير تمحيص، وبيان الصادق منها، وقد قيل إنه ربيع الأول، وقيل إنه رجب، فلابد من إزالة الشبه من حول الحق الصريح.

<<  <  ج: ص:  >  >>