للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اية الله الكبرى أن عارضه أقرباؤه الأدنون، كأبى لهب، ولم يتبع دينه أولم يظهره حتى أحباؤه من ذوى قرباه كأبى طالب الذى رباه، وكان حبيبا إلى نفسه، وعمه العباس وغيره.

وكانت تلك اية كبيرة تدل على نزاهة الإسلام من أن تقيمه عصبية، أو يتبع للعصبية، إنما هو دين الله جاء لمحو العصبية الجاهلية، ولم تكن عموم دعوته فيها أى استجابة لعصبية، أو موالاة قبلية كما سيتبين ذلك فى القصص النبوي، فلا يقال إن أسرة كانت تطمع فى السلطان. فاستعانت بسلطانها لنبوة كانت فيها. وخصوصا أن بنى هاشم كانت فيهم رياسات بالكعبة الشريفة توارثوها كابرا عن كابر، وكان اخرهم أبو طالب الذى عاصر النبى صلى الله تعالى عليه وسلم.

وإذا كان بنو هاشم لم يكونوا أول الناس إسلاما، فقد كانوا بلا ريب أولهم نصرة، وكانوا نصراء النبى عليه الصلاة والسلام عصبية لا إسلاما، إذ كان ذلك عادة العرب يعيش كل شخص فى حماية عصبية، لا يسلمونه، ويعدون تسليمه ذلا، والتهاون فى نصرته قهرا وهوانا، وخصوصا أن محمدا عليه الصلاة والسلام كان معتدى عليه. وليس معتديا. والإيذاء ينصب عليه انصبابا.

ومن أجل ثبوت أن معاونتهم له فى شدته كانت عصبية، أنهم لم يؤازروه بعد أن صار قويا، بل إن العباس عمه، وهو الذى كان يعد كبير بنى هاشم بعد أبى طالب خرج مقاتلا فى جيش المشركين فى بدر لجيش محمد عليه الصلاة والسلام ابن أخيه، وأسر من بين من أسر من المشركين، ولم يخرجه محمد عليه الصلاة والسلام، إلا بفدية افتدى بها نفسه.

[إسلام أبى بكر:]

٢١٣- لا نريد أن نخوض فى أوليته، وسبقه فى الإسلام على ابن أبى طالب رضى الله عنه أو سبق على عليه. فتلك مسألة طائفية يثيرها الطائفيون فى الإسلام. فالشيعة يعدون عليا أسبق والأمويون والناصبيون «١» يخالفون، وما لنا أن نخوض فى ذلك. وكل فريق يذكر أن معه من الصحابة فريقا.

وكان يمتاز من بين قريش، بأنه عالم بالأنساب، فكان نسابة العرب، وكان له علم بأخبار الأولين، وكان تاجرا معروفا بالأمانة والصدق، وإن لم يكن كمعرفة محمد عليه الصلاة والسلام بذلك، ولعل الأمانة قد سرت من صديقه محمد عليه الصلاة والسلام فقد كانا صديقين وتربين لتوافق مشاربهما فى الجملة، وإن كان أبو بكر لم تكن عنده نزاهة محمد عليه الصلاة والسلام حبيبه وخليله فى البعد عن الأوثان، فالفرق بينهما كالفرق بين من يصنعه الله تعالى على عينه ليكون رسولا نبيا، وبين من خلقه الله تعالى صاحبا برا تقيا.


(١) الناصبية والناصبيون الذين يناصبون عليا وأولاده العداوة.

<<  <  ج: ص:  >  >>