للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنما الذى نقرره أن كليهما أسبق الذكور إلى الإسلام، أبو بكر وهو رجل مكتمل يقارب الأربعين. وعلى فى العاشرة من عمره، لم يبلغ حد المراهقة، ولكنه كان مميزا فاهما، أسلم متفكرا متدبرا مدركا، وقد ذكرنا أن فقهاء المسلمين يعتبرون إسلام الصبى المميز صحيحا وإن اختلفوا فى اعتبار ردته مستحقة للعقاب.

بادر أبو بكر بالإسلام عندما علم بالبعثة المحمدية، واسمه عتيق، أو عبد الكعبة المكرمة، وسماه النبى عليه الصلاة والسلام عبد الله. وقالوا أن أمه كان لا يعيش لها أولاد ذكور، فلما رزقته وعاش سمته عتيقا لأنه عتق من الموت، وقيل سمته عبد الكعبة «المكرمة» لأنها نذرت أن تسميه عبد الكعبة. ثم اختار له صديقه محمد عليه الصلاة والسلام أن يكون عبد الله.

كانت الصحبة تجعلهما كالمتعاشرين فى كمال الخلق، حتى أنه عندما بدت إرهاصات النبوة، وابتدأ البعث، كانت تسأله خديجة عن صاحبه إذا غاب وهو يحضر إليها عندما تقلق عليه، وتقول له:

«يا عتيق أين ذهب» .

يقول الرواة أن أبا بكر أسلم قبل أن يطلب إليه النبى صلى الله تعالى عليه وسلم. إذ أنه قد كان يتوقع ظهور نبوة صديقه محمد عليه الصلاة والسلام، لأنه قد سمع كلام ورقة، وعلم من خديجة حديثه لها، وكان يوما عند حكيم بن حزام، إذ جاءت مولاة له، فقالت: إن عمتك خديجة تقول فى هذا اليوم أن زوجها نبى مرسل مثل موسي، عندئذ أدرك أبو بكر أن ما توقعه قد وقع، وأن النور أشع، ولم يبق إلا أن يستضيء به ويعشو إليه، فانسل إلى النبى عليه الصلاة والسلام، فأسلم إذ طلب إليه النبى عليه الصلاة والسلام، وما كان طلبا لجاهل. بل كان طلبا ممن عرف ولم ينكر واستسلم وأذعن لله تعالى «١» .

ولذلك روى ابن إسحاق فى سيرته أنه بلغه أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم قال: «ما دعوت أحدا إلى الإسلام، إلا كانت عنده كبوة، ونظر وتردد إلا ما كان من أبى بكر ما عكم «٢» عنه حين ذكرت» .

فنفس أبى بكر كانت سائغة إلى الإسلام قبل دعوته، لما رأى من إرهاصات النبوة، ولما علم من كلام ورقة، ولأنه كان الصديق الوفى والحبيب الولى لمحمد عليه الصلاة والسلام.

ولقد كان لإشراق نفسه، ولصغوة فؤاده إلى الحق، والاتجاه إليه أنه كان يرى الرؤى التى يكون تأويلها تبشيره بالإيمان.


(١) شرح المواهب اللدنية ج ١ ص ٢٤٠.
(٢) عكم عنه: أى تردد وفكر وانتظر.

<<  <  ج: ص:  >  >>