للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَعْمَلُونَ. وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ. الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ. وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ. إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ وقال تعالى: وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ «١» وقال تعالى: إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ «٢» أى أن الذى فرض عليك، وأوجب عليك تبليغ القران لرادك إلى دار الاخرة ليسألك عن ذلك، كما قال تعالى:

فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ. عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ «٣» والايات والأحاديث فى هذا كثيرة جدا «٤» .

ونرى من هذا التقرير أن الإمام الحافظ ابن كثير لا يرى أن ثمة تدرجا فى الدعوة، وأنه من وقت أن أمر النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بإنذار عشيرته الأقربين كانت الدعوة عامة، وأن الاقتصار فى الاية على ذكر العشيرة الأقربين لا يفيد قصر الدعوة فى هذه الاية عليهم، بل يفيد الابتداء بهم، أو مواجهتهم، مع مخاطبة غيرهم، ولا يفيد قصر الدعوة عليهم، لأن الرسالة المحمدية يخاطب بها الأحمر والأبيض والأسود والعبيد والأحرار.

ونحن نوافق على عموم الرسالة المحمدية، وأنها ليست بمقصورة على قرابة قريبة أو بعيدة، ولكن هذا تدرج فى الدعوة والخطاب، وأن ذلك يتضمن دعوة غيره من المكلفين، بلا فرق بين قريب وبعيد، فالجميع مكلفون بالاستجابة من غير تفريق، ونحسب أن قوله تعالى: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الخطاب فيها مقصور على العشيرة، ولذلك لم يدع محمد عليه الصلاة والسلام إلى الاجتماع بهم الذى كان فى الصفا غيرهم، وليس من المعقول أن يكلف العامة بخطاب طائفة من الخاصة، بل لابد من توجيه الخطاب إليه، فجاء فى قوله تعالى: فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ. وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ إلى اخر الايات.

ويزكى هذا ما جاء عن ابن إسحاق، فقد جاء ما نصه: ثم أمر الله تعالى رسوله صلى الله تعالى عليه وسلم بعد ثلاث سنين من البعثة أن يصدع بما أمر، وأن يصبر على أذى المشركين، وكان أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إذا صلوا ذهبوا فى الشعاب، واستخفوا بصلاتهم من قومهم، فبينا سعد بن أبى وقاص فى نفر يصلون فى شعاب مكة المكرمة، إذ ظهر عليهم بعض المشركين، فناكروهم، وعابوا عليهم ما يصنعون، حتى قاتلوهم، فضرب سعد رجلا من المشركين بلحى جمل فشجه، فكان أول دم أريق فى الإسلام «٥» .

وقد قال ابن إسحاق فى موضع قبل هذا:


(١) سورة الزخرف: ٤٤.
(٢) سورة القصص: ٨٥.
(٣) سورة الحجر: ٩٢.
(٤) البداية والنهاية، ج ٣ ص ٣٨.
(٥) سيرة ابن هشام طبع الحلبى ج ١ ص ٢٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>