للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شرف بين العرب، واستعلاء عليهم، وشعور بأن العرب لهم تبع، وهم السادة فى بلاد تصعب السيادة فيها، وبين أقوام لا يعترفون برياسة إلا ما يكون من قبل ذلك البيت المعظم، الذى كرمه الله تعالى، وجعله حرما امنا تجبى إليه ثمرات كل شيء.

ولا يهمهم من جوار البيت إلا ذلك الشرف الذى يكتسبونه من الجوار وأنه محل تجارة العرب، كما هو محل نسكهم، وأمنهم، إذ الناس فى خوف وتقاتل، فكانوا بالإقامة فى البيت امنين من ناحية المال إذ هو سبيل تجارتهم، وهو مأمنهم، كما قال الله تعالى: لِإِيلافِ قُرَيْشٍ إِيلافِهِمْ. رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ. فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ. الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ، وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ «١» .

وإذا كانت المفاجأة التى لم يكونوا متوقعين لها قد دفعتهم إلى المبادرة بالإنكار، فقد ساروا فى طريقه، وانتقلوا من الإنكار إلى الاستنكار، وهو مرتبة أعلى من الإنكار المجرد،، لأن الإنكار المجرد أمر سلبى، قد يجيء من بعده الإيمان إذا جاء الدليل، أما الاستنكار فهو عمل إيجابى معناه أنه ينكر الحق، ويستنكر الدعوة إليه، ثم اندفعوا من بعد الاستنكار إلى المناوأة، وكل ذلك من المفاجأة، وقد تدفع المناوأة إلى الجحود، ويدفع الجحود إلى الكفر ثم الايذاء.

٢٢٦- والدعوة المحمدية التى فوجئوا بها هى تغيير لما هم عليه، ألفوا عبادة الأوثان من غير إيمان قوى بها، ولكن كانت عباراتهم تتلوى بتقديسها يتوهمون فيها أوهاما، وبسيطرة هذه الأوهام يشركونها فى عبادة الله تعالى، وهم يعلمون أن الله تعالى خالق السماوات والأرض.

والذين يميلون إلى المال، ومجرد الاستعلاء بين الناس لا يحبون التغيير بل يحبون الحياة الرتيبة السهلة التى لا تبديل فيها، ولا انقلاب ولا تقلب فى المذاهب والأفكار، وليس فيهم شاغل بهذا، ولذلك كان جوابهم عندما يدعوهم النبى صلى الله تعالى عليه وسلم: بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ «٢» ، ويحكى سبحانه وتعالى عنهم فيقول تعالت كلماته: وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا، أَوَلَوْ كانَ الشَّيْطانُ يَدْعُوهُمْ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ «٣» .

ألفوا الشرك، ولم يألفوا التوحيد، ولو كان الحق ساطعا، والبرهان قائما، واستمسكوا بالأصنام، وهم لا يؤمنون بها، يحطمونها ويعبدونها، ويغيرون حجرا بحجر،. وإن كانت الأسماء لا تتغير، ولكنهم لا يتركونها إلى غير ما يألفون، ولقد توقعوا ما عرفوا من أخلاق محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام،


(١) سورة قريش: ١- ٤.
(٢) سورة البقرة: ١٧٠.
(٣) سورة لقمان: ٢١.

<<  <  ج: ص:  >  >>