للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والقسم الثالث وسط بين هؤلاء، فلم يعتنق الإسلام، ولم يكن من السابقين الأولين، بل وقف وقفة المنتظر، أو وقفة من رد الدعوة من غير معاداة، ولا مناوأة، وكان من هؤلاء أكثر بنى هاشم، وبعض بنى أمية، وبعض القرشيين، وكان فى كل عشيرة بعض من هؤلاء، كما كان فى كل عشيرة بعض ممن أسلم.

ومن هذا القسم من كان يشرح الله تعالى صدره للإسلام، فيدخل فى صفوف المسلمين مجاهدا صابرا، متحملا الأذى، وأقله السخرية والاستهزاء، فقد كان الإسلام ينمو من هؤلاء، بل إنه كان ينمو أيضا من المعذبين المؤذين، وحسبنا عمر بن الخطاب، كان من المؤذين، حتى هم فيما يقول الرواة بقتل النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، ولكن تداركته رحمة الله تعالى، فشرح الله تعالى صدره للإسلام، فكان له عزا، وكتب الله تعالى الحق على قلبه ولسانه.

أخذ النبى عليه الصلاة والسلام يدعو، ولا ينى عن دعوته، ولا يلين ولا يخفف من دعوته الإعراض مهما يكن مقدار المعرضين ولا الأذى ينزل به وبكبراء صحابته، ولا الاضطهاد يشتد على ضعفاء أتباعه، ولكنه يأسى ويحزن على ما ينزل بهم ويواسيهم ويدعوهم إلى الصبر، ويصبر هو ليتأسوا به، ويعينهم بالمال إن احتاجوا، ويعينهم كبار الذين آمنوا على فك رقابهم.

وكلما ازداد عدد المؤمنين، ازداد الأذى وازدادت المعارضة، فإنه كلما قوى الحق ونما أهله، يئس المخالفون من أن يطفئوا نور الله تعالى الذى انبثق فى مكة المكرمة. ولكن بوادر اليأس كانت تزيده حجة ولجاجة فى الباطل، وكل يسير فى طريق التمسك بالباطل، ففريق الذين ارتضوا لأنفسهم أن يكونوا سوط عذاب يستمرون فى غيهم يعمهون، والذين ارتضوا المعارضة من غير إيذاء، والمقاومة من غير إعنات لمن جاؤا بالدين الجديد، ساروا فى طريقهم ومنهاجهم، يدعون النبى عليه الصلاة والسلام لأن يكف عن دعوته، ويجادلونه، ويعرضون عليه ما يرونه مغريا بالإعراض عن دعوته، على حسب تفكيرهم، وعلى مقتضى ما يسول لهم شيطان المادة.

٢٣٠- ويذكر الأكثرون من الرواة أن النبى عليه الصلاة والسلام كان يلقى منهم مسالمة، ودفاعا عن عقائدهم بالتى هى أحسن، أو عدم اهتمام بعضهم بمقاومته عندما كان يدعو من غير أن يذكر الهتهم بسوء، أو يسفه أحلامهم، وأحلام ابائهم، فلما أخذ يسب الهتهم، ويسفه أحلامهم، انتقلوا إلى مقاومة عنيفة، أخذت صورة الإيذاء من بعضهم والاستنكار المرير من بعض اخر، ثم تطورت الأمور إلى العداوة والإغراء بالبغضاء وقطع الأرحام الموصولة.

<<  <  ج: ص:  >  >>