للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لما سمع عتبة أنصت لها، وألقى بيديه خلف ظهره معتمدا عليها ليسمع منها، حتى انتهى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إلى اية السجدة فى السورة، فسجدها، ثم قال: سمعت يا أبا الوليد؟ قال:

سمعت. قال الرسول: فأنت وذاك.

ثم قام عتبة إلى أصحابه فقال بعضهم لبعض: لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذى ذهب به، فلما جلسوا إليه قالوا: ما وراءك يا أبا الوليد.

قال عتبة: ورائى أنى والله قد سمعت قولا ما سمعت مثله قط، والله، ما هو بالشعر ولا بالكهانة يا معشر قريش أطيعونى، واجعلوها لى، خلوا بين هذا الرجل وما هو فيه واعتزلوه، فو الله ليكونن لقوله الذى سمعت نبأ فإن تصبه العرب، فقد كفيتموه بغيركم، وإن يظهر على العرب، فملكه ملككم، وعزه عزكم. وكنتم أسعد الناس به.

قالوا غير مجيبين نصيحته: سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه.

قال الناصح، وكان فى ذلك الوقت أمينا فى نصحه: «هذا رأيى، فاصنعوا ما بدالكم» «١» .

٢٤٠- أعجزهم الإيذاء المستمر عن أن يحولوا محمدا صلى الله عليه وسلم وأصحابه عن الإيمان، بل إن التعذيب الشديد، والإيلام المستمر كان يزيد المؤمنين إيمانا، واستمساكا بما يعتقدون، وترتب على الإيذاء أن امن مثل حمزة وعمر كما ذكرنا، وأخذ المؤمنون يردون الإيذاء بمثله. فعرف أبو جهل كيف يكون شج الرأس من القوى العادل لمثله الفاجر، والمهم عمر رضى الله عنه القوى، كيف يكون الضرب للشرير العصى.

أخذوا يجربون من ذلك طريق العلاج باللين، وعرض ما يحسبون أنه يقرب النبى إليهم من غير أن يتقربوا هم من الإيمان، عرضوا عليه مايلين أمثالهم، وما هو منطقهم، وعرضوا عليه الشرف فيهم ليكون السيد المطاع، وعرضوا عليه الملك ليكون ملكهم، وعرضوا عليه الأموال ليكون أكثرهم مالا، فلما رفض كل هذا، ولا يحسبون أن يرفضه إلا من يكون قد إيف عقله، وذلك لمنطقهم المادى الذى لا يحسبون العلو فيه إلا بالمال والسيادة والملك، عرضوا عليه أن يعرضوه على نطس الأطباء ليعالجوه ولكنه بدل أن يجيب بلا أو نعم تلا عليهم القران الكريم ليعلموا أن ما عنده خير مما يقدمون، بل لا يعد ما يقدمونه شيئا مذكورا بجوار ما عنده وهو خير وأبقى.


(١) البداية والنهاية لابن كثير ج ٣ ص ٦٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>