للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(أ) سلوه عن فتية ذهبوا فى الدهر الأول ما كان أمرهم، فإنه قد كان لهم حديث عجيب.

(ب) وسلوه عن رجل طواف: طاف مشارق الأرض ومغاربها ما كان نبؤه.

(ج) وسلوه عن الروح ماهى.

فإن أخبركم بذلك فاتبعوه، وإن لم يخبركم، فإنه رجل متقول، فاصنعوا فى أمره ما بدا لكم.

فأقبل النضر وعقبة حتى قدما على قريش فقالا:

يا معشر قريش قد جئناكم بما يفصل ما بينكم وبين محمد: قد أمرنا أحبار يهود أن نسأله عن أمور، فأخبراهم بها، فجاؤا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فسألوه عما أمر أحبار يهود.

ويظهر أنهم ظنوا أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم سيردهم بتكرار دعوة الحق لهم كما فعل أول الأمر. ولكن خاب ظنهم. فقد أمهلهم، ولم يردهم لأن ذلك مما يمكن أن تشمل معجزته الكبرى، وهى القران الكريم،. ولذا وعدهم بالإجابة إن أجلوه، لأنه يتكلم من عند الله، فلا علم له إلا من عند الله العلى القدير. فقال لهم: أخبركم غدا بما سألتم عنه، ولم يستثن أى لم يعلق الإجابة على مشيئته الله.

انصرفوا عنه ومكث رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم خمس عشرة ليلة، لا يحدث له فى ذلك وحى، ولا يأتيه جبريل، حتى أرجف أهل مكة المكرمة وقالوا: وعدنا محمد غدا، واليوم خمسة عشر قد أصبحنا فيها لا يخبرنا فيها بشيء مما سألناه، وحتى أحزن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم مكث الوحى عنه، وشق عليه ما يتكلم به أهل مكة المكرمة ثم جاء جبريل.

لماذا تأخر الوحى هذه المدة، ونجيب عن ذلك بجوابين:

أولهما: أنه لم يستثن عندما قرر أنه سيجيب غدا، فلم يقل إن شاء الله تعالى: وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ «١» .

وثانيهما: أن مجيء الإجابة بعد طول انتظارها، وإرجافهم نحوها، وإشاعتهم عجز محمد عليه الصلاة والسلام عن الإجابة، تكون للاجابة فائدة أنها تكون أوقع، إذ تكون فى وقت الحاجة إليها، فيكون فضل تمكين فى النفس، ويكون التحدى أشد تثبيتا فى النفس وأقوى لتكذيبهم ورد كيدهم فى نحرهم، إذ يكونون قد تقاولوا فى ذلك، فيكون ردهم قد علمه كل من أشاعوا بين يديه عجز محمد صلى الله تعالى عليه وسلم، فتكون دعوة التصديق للنبى عليه الصلاة والسلام.


(١) سورة الكهف: ٢٢، ٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>