للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونراه أحسن الخطاب بذكر رابطة وثيقة من القرب فى القبيلة، وذلك ما لم يؤلف من قبل.

كان كبراء قريش يجذبهم القران الكريم لاستماعه، وإن لم يؤمنوا، لقد سمعه الوليد بن المغيرة، فقال لقريش فى وصفه «إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وإنه ليعلو، ولا يعلى عليه، ما يقول هذا بشر» ولقد نفى أن يكون شعرا، ودفعته لجاجته فى الإنكار إلى أن يقول إنه سحر، وإن لم يرض بذلك الوصف القران الكريم ابتداء.

وإذا كان المؤمنون قد جذبهم القران الكريم ومحبة النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، وإخلاصهم، وإشراق قلوبهم بالإيمان، فالمشركون لعلمهم ببليغ القول، وشغفهم به، قد شغفهم القران الكريم، ولكن حالت بينهم وبين الإيمان ظلمات اعترت قلوبهم، خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ «١» .

ولقد شغفوا بسماع القران الكريم، لا فرق بين صغير وكبير، والصغير يؤمن والمتعنت لا يزيده السماع إلا كفرا وإعناتا، فإن قوة الدليل تملأ قلب المخلص إيمانا، وقلب الحقود الحسود كفرانا، ولجاجة، وكلما لج فى عناده زاد بغضا لمحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعوته، والمستجيبين لها.

٢٤٨- ولقد روى ابن إسحاق عن ابن شهاب الزهرى أنه حدث أن أبا سفيان بن حرب وأبا جهل عمرو بن هشام والأخنس بن شريق بن وهب الثقفى حليف بنى زهرة خرجوا ليلة ليستمعوا من رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وهو يصلى من الليل فى بيته، فأخذ كل رجل منهم مجلسا يستمع فيه كل لا يعلم بمكان صاحبه، فباتوا يستمعون له، حتى إذا طلع الفجر تفرقوا فجمعهم الطريق، فتلاوموا، وقال بعضهم لبعض: لا تعودوا فلوراكم بعض سفهائكم لأوقعتم فى نفسه شيئا. ثم انصرفوا حتى إذا كانت الليلة الثانية عاد كل رجل منهم إلى مجلسه فباتوا يستمعون له. حتى إذا طلع الفجر تفرقوا فجمعهم الطريق، فقال بعضهم لبعض مثل ما قالوا أول مرة ثم انصرفوا، حتى إذا كانت الليلة الثالثة أخذ كل رجل مجلسه، فباتوا يستمعون له، حتى اذا كان الفجر تفرقوا فجمعهم الطريق، فقال بعضهم لبعض لا نبرح حتى نتعاهد ألا نعود.

وقد تعاهدوا على ذلك، وقد قال الله فيهم: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ «٢» .

وكانوا بعد سماع القران الكريم يتذاكرون فيما بينهم ما سمعوا، فقد سأل الأخنس بن شريق الثقفى أبا سفيان عن رأيه فيما سمع، فقال: «أخبرنى أبا حنظلة عن رأيك فيما سمعت من محمد؟


(١) سورة البقرة: ٧.
(٢) سورة فصلت: ٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>