للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالوا ذلك لهشام بن الوليد حين أسلم أخوه فى النفر الذين أشرنا إليهم، فقال لهم: هذا لكم فعليكم به فعاتبوه، وإياكم ونفسه، احذروا على نفسه، فأقسم بالله لئن قتلتموه لأقتلن به أشرفكم رجلا، فقالوا فى أنفسهم اللهم العنه، فو الله لو أصيب فى أيدينا لقتل أشرفنا رجلا، فتركوه، ونزعوا عنه «١» .

ومن كان له دين لا يعطونه، ويمطلونه إذا أسلم، بل لا يؤدون الدين.

ومن هؤلاء خباب بن الأرت، كانوا يعذبونه، وينزلون به الأذي لأنه لم يكن ذا عشيرة تحميه، ومع ذلك كانوا يحاربونه في صناعته، فلا يعطونه أجر ما صنع.

روى البخارى عن خباب بن الأرت قال «كنت رجلا قينا «٢» . فعملت للعاص بن وائل سيفا فجئت أتقاضاه، فقال لا والله لا أقضيك حتى تكفر بمحمد، فقلت لا والله لا أكفر بمحمد، حتى تموت ثم تبعث، قال فإنى إذا مت ثم بعثت جئتنى ولى ثم مال وولد. فأعطيك، فأنزل الله تعالى:

أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا، وَقالَ لَأُوتَيَنَّ مالًا وَوَلَداً. أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً. كَلَّا سَنَكْتُبُ ما يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذابِ مَدًّا. وَنَرِثُهُ ما يَقُولُ وَيَأْتِينا فَرْداً «٣» .

[مصابرة النبى صلى الله تعالى عليه وسلم:]

٢٥٥- كان النبى عليه الصلاة والسلام يلقى فى قلوبهم ببيان أن الإيمان يوجب تحمل المشاق، وأن ثواب الاخرة ثمنه تحمل ما يقتضيه الحق فى الدنيا، وببيان أن الله تعالى ناصر عباده المؤمنين بعد أن يبلو إيمانهم ويظهر صبرهم.

روى البخارى عن خباب بن الأرت أنه قال: «أتيت النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، وهو متوسد ببردة وهو فى ظل الكعبة الشريفة، وقد لقينا من المشركين شدة، فقلت: ألا تدعو الله؛ فقعد؛ وهو محمر وجهه. فقال: قد كان من قبلكم ليمشط بأمشاط الحديد مادون عظامه من لحم وعصب، ما يصرفه ذلك عن دينه، ويوضع المنشار على مفرق رأسه، فيشق باثنتين ما يصرفه ذلك عن دينه، وليتمن الله هذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، ما يخاف إلا الله عز وجل ... ولكنكم تستعجلون» .

شكا المؤمنون إلى النبى عليه الصلاة والسلام من حر الرمضاء، واستنصروا فطالبهم النبى صلى الله عليه وسلم بالصبر، فلا إيمان من غير صبر، وكأنه ينبئهم بما أنبأ القران الكريم من بعد، وهو أن الجنة جزاء الصبر، وأنه لابد من الابتلاء:


(١) سورة النحل: ١٠٦- ١٠٩.
(٢) القين الحداد.
(٣) سورة مريم: ٧٧- ٨٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>